
تعتبر مهنة التوثيق من اعرق المهن القضائية في العالم ، واكثرها احتراما وخصوصية و مكانة بين المهن بصورة عامة ، باعتبار تلعب دورا بالغ الاهمية في ضبط المعاملات ، وتوثيق و تنظيم و ارشفة الحقوق والواجبات بين الافراد والمؤسسات على اختلافها ، كذا جميع اشكال العقود التي يريد لها اطرافها ان تكتسي طابعا رسميا ..
وبما ان عقود التوثيق على اختلاف اشكالها ، تكتسب اهميتها وقوتها بقوة القانون ، فهي تعد الملاذ الآمن لكافة المتعاقدين في مختلف المجالات ، لضمان حقوقهم العينية و المعنوية ..
ومن المعروف أن هذه المهنة تعتبر فتية لحد ما في بلادنا ، بموجب القانون رقم :019-97 الصادر بتاريخ 16يوليو 1997 المنظم لمهنة التوثيق..
ومنذ ذلك التاريخ و هي تشهد اهتماما متسارعا من قبل الجميع ، و للامانة فقد كانت الجهود حثيثة من أجل توسيع دائرة عملها ونطاقها ، حتى تصل الى أكبر عدد ممكن من المستفدين في العاصمة و مختلف ولايات الوطن ، ولا أدل على ذلك من الانتشار الكبير الذي عرفته أخيرا على مستوى كبريات المدن و عواصم الولايات على الأقل …
وبالنظر لعمر هذه المهنة الشابة نسبيا في بلادنا كما ذكرنا ، و كونها ظهرت بشكلها الجديد في عصر التكنولوجيا الحديثة ، فقد صار لزاما علينا مواءمتها مع هذا العصر ومتطلبات الحياة اليومية ، ومع تنامي نسبة الوعي و الاستجابة للمطالبات المستمرة بالمواكبة و الحداثة في شتى المجالات ..
و من المؤكد أن العمل على ذلك يتطلب تحيين وتعديل النصوص و القوانين المنظمة لها ، و هيكلة القطاع الوصي والتطوير والتكوين المستمر للكادر البشري المرتبط بالمهنة ، وتطوير البنى التحية الرقمية و الخدمية ..
وبما أن التوجه العام يسعى في جوهره الى تقريب الخدمات على اختلافها من الجميع ، تسهيلا لحياتهم وتوسيعا لخياراتهم ، لما لذلك من أثر بالغ على مخرجات التنمية بصورة عامة ..
ومعلوم كذلك أن الخطابات الاخيرة لصاحب الفخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني ، دعت الى ذلك حرفيا ، وبشكل صريح وواضح وعلى شكل تعليمات ، نظرا لبعد نظرته الاستشرافية للمستقبل ، فقد باشرت وعلى الفور العديد من القطاعات الحكومية والخاصة ، العمل على تذليل كافة الصعاب التي تقف امام تقريب خدماتها من المرتفقين ، مستخدمة الوسائط الالكترونية المتعددة كحلول مبتكرة للعمل على تعزيز القدرات البشرية وترشيد وعقلنة الموارد المادية ..
وبما التكنولوجيا الحديثة و تطبيقات التواصل والذكاء الاصطناعي و الرقمنة و الحوسبة وغيرها من المفاهيم و المصطلحات التي تصنع مستقبل العالم ، كلها أمور فرضت نفسها على غالبية بل وإن لم نقل جميع المجالات الاقتصادية في العالم اليوم ، عالم السرعة و الرقمنة و الابداع ..
و بالنظر الى ما تقدم ، فإن مهنة التوثيق ، وباعتبار الموثقين مأمورين عموميين ، فينبغي ان تجد نصيبها كغيرها من المهن من التفكير و العصف الذهبي ، حتى نستطيع جميعا الارتقاء بها و تطويرها وتقريبا من جميع المستفيدين منها ، فقد آن الاوان لتعديل القانون المنظم لها ، استجابة و تمشيا مع الرؤية الاستشرافية لصاحب الفخامة النابعة من سعيه الحثيث للرقي و الازدهار بالبلد في مختلف الميادين ..
وفي هذا الاطار وباعتباري احد العاملين في هذه القطاع ، ورجوعا الى خبرتي المتواضعة فيه ، فإنني اقترح على القائمين على القطاع الوصي مجموعة من المقترحات ، ارجو ان تجد آذانًا صاغية ، وسأتقدم بها على شكلٍ نقاط كالتالي :
- إنشاء ادارة جديدة في وزارة العدال خاصة بالموثقين .
- تنظيم ورشات من قبل القطاع الوصي من اجل تجسيد الفكر التشاركي ، لاصلاح المهنة و تطوريها ، اعتمادا على مختلف خبرات كافة الفاعلين فيه ، من اجل تقديم توصيات و مقترحات تساعد في صياغة وتعديل القوانين و النصوص المنظمة لهذه المهنة .
- الزام الموثق باعتماد نظام ضبط واستقبال الكتروني ، من تحرير - توقيع ونزع بصمات ، بالاضافة الى ارشفة الكترونية دقيقة لكافة العقود ، حيث يسمح هذا النظام بتطوير خدمات المهنة ، و بانشاء قاعدة بيانات شاملة ورصينة متوفرة على مدار الساعة لدى القطاع الوصي ، يستفاد منها وقت الحاجة بيسر تام ، وبنقرة زر ..
- اعتماد نظام الكتروني متكامل يطور خدمات التوثيق ، ويسهل و يسرع التعاقد، ويربط الموثقين في البلاد في فضاء رقمي واحد تفاعلي ذكي ، يضمن الوقوف امام التزوير و التلاعب بالوثائق ..
- اعتماد الموثق الالكتروني ، وهي خطوة صارت واقعا لا أمرًا افتراضيا في العديد من بلدان العالم ، تضمن توفر خدمة التوثيق على مدار الساعة ، وتجدر الاشارة الى انه يمكن الاقتباس من العديد من التجارب الرائدة في المجال ، على سبيل المثال تجارب الدول العربية و الاسلامية ..
ذ.محمد ولد حويه
موثق مساعد محلف من الدرجة الاولى