إلى فخامة الرئيس... لماذا قطع الرئيس المختار ولد داداه علاقات بلادنا مع واشنطن عام 1967؟ّ!

يجد المرء نفسه، في بعض الأحيان، بحاجة إلى مخاطبة  المواطن الأول، إن جاز التعبير، حيث نعتبر من البلدان التي ترى في شخص رئيس الجمهورية الملاذ الأول والأخير لحل كل معضلات الوطن والمواطن، وهو الوحيد الذي بإمكانه تلبية مطالب المواطنين وتطلعاتهم.

ثمة مواضيع بالغة الأهمية، كونها حديث الساعة، مثل موضوع الانتخابات و"التعهدات" الانتخابية المقبلة، ومثل الخوض في مدى تعاطيكم مع مظالم الأساتذة والمعلمين والصحافة والأطباء والنقابيين، وتعاطيكم مع ملفات الفساد واستشرائه ونهب ثروات المواطنين جهارا، وغيرها كثير، وهي مواضيع يمكن أن أسمح لنفسي بمخاطبتكم فيها وحولها لاحقا، لكنني سأتناول هذه المرة موضوعا ربما يكون أكثر إلحاحا بحكم طابعه الإنساني والأخلاقي والديني أكثر من غيره، وسأتساءل أمامكم عن سر قوة الرئيس المؤسس المختار ولد داداه، رحمه الله، وخاصة حين وجد أن الولايات المتحدة الأمريكية قامت بتقديم الدعم العسكري الهائل للكيان العنصري الصهيوني اللقيط في حربه عام 1967 على مصر وسوريا الشقيقتين.

فالرجل المحسوب على الغرب، وخاصة فرنسا والولايات المتحدة، لم يتردد في قطع علاقات بلادنا الدبلوماسية مع أقوى دولة في العالم لأنه وجد أن الانتخاء لشرف الأمة العربية والإسلامية يجب أن يكون فوق كل اعتبارات أخرى بما في ذلك مصالح آنية مع دولة تدعم العدوان وتضرب بعرض الحائط كل المواثيق والأعراف الدولية حماية لكيان عنصري تم زرعه في المنطقة من أجل ضمان استمرار زعزعة أمنها واستقرارها والحيلولة دون نهضتها وتقدمها.

رغم حاجة موريتانيا، في عهد الرئيس المختار ولد داداه، لكل أنواع الدعم، وهي التي لا تملك ثروات وموارد كالتي تمتلكها اليوم، قرر المختار أن يكون عربيا إفريقيا مسلما، ومثلما دعمت الولايات المتحدة الأمريكية الكيان العنصري الصهيوني بكل قوتها، كان لا بد لموريتانيا أن تدعم القاهرة ودمشق في وجه تحالف العدوان على الأمة.

اليوم نجد أن واشنطن تتمادى في الوقوف بوجه الإجماع الدولي لمنع وقف حرب الإبادة الهمجية ضد أشقائنا الفلسطينيين في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، وقد تجاوز عدد شهداء هذه المحرقة قرابة 38 ألف شهيد أغلبهم نساء وأطفال وكبار السن في غزة وحدها، ومع ذلك يجد الصهيوني جو بايدن أن حكومة الإرهابي نتن ياهو لم تتجاوز، بعد، الخطوط الحمراء لواشنطن، فيما تركز إدارة الصهيونيين بايدن وبلينكن اهتمامها على إعادة "الرهائن" الصهاينة وبالمقابل فتح معبر رفح لتقديم المساعدات "الإنسانية" وليس وقف حرب الإبادة، لأن واشنطن ومعها باريس ولندن وبعض العواصم العربية،  تريد القضاء على المقاومة، بكل فصائلها، وإبقاء غزة منزوعة السلاح حتى تسهل استباحتها متى ما قرر الصهاينة ذلك على غرار ما يحصل، على مدار الساعة، في مدن الضفة الغربية المحاصرة بالمستوطنات وبالمستوطنين الإرهابيين المدعومين من "الجيش" الصهيوني.

ما يجري في غزة، وقد تجاوز عدد الضحايا 110 آلاف شهيد وجريح ومفقود، مع كل تجليات المعاناة الإنسانية من تجويع وحصار وغياب أساسيات الحياة من ماء ودواء وغذاء وكهرباء وتدمير لكل مظاهر الحياة، ما كان له أن يحصل لو لم تكن واشنطن وباريس ولندن مقتنعة بأن هؤلاء الضحايا ليسوا من فئة البشر، بل مجرد "حيوانات بشرية"، ومهما ارتفع عداد الضحايا واتسعت رقعة الدمار فلا يعني ذلك أي شيء بالنسبة لقادة المسيحية الصهيونية هؤلاء، ما لم يحقق الكيان الصهيوني أهدافه في القضاء على كل مظاهر المقاومة المسلحة في فلسطين وفي قطاع غزة بصفة خاصة.

فخامة الرئيس،

لا أعتقد أن بلادنا ملزمة بتبني موقف أي بلد عربي أو إفريقي أو مسلم لا يتألم للواقع المرير الذي يعيشه الشعب الفلسطيني اليوم، ومنذ 76 عاما، فإذا كان عبد الناصر قد رحل ولم تعد القاهرة تهتم بدعم خيار المقاومة والانحياز لثوابت الأمة  كما كانت من قبل، بل وتهتم أكثر بالتطبيع والحوار مع المحتل، مثلها مثل معظم الدول العربية "المعتدلة" أمريكيا، فإننا مطالبون بأن نكون بلدا مختلفا، مثلما كنا عقب عدوان يونيو 1967 على مصر وسوريا، بل يجب أن يكون موقفنا أكثر صرامة لأن ما نراه اليوم ليس حربا بين دول وإنما عدوان همجي يرتكبه قطعان من الإرهابيين المدعومين من عواصم غربية هي من زرعت ما يسمى بــ"إسرائيل" وهي من ترعى بقاءها وتحميها من كل المخاطر وتدعمها بأعتى أنواع السلاح الفتاك، ولا تهتم بكل التجاوزات التي تحصل منها، حتى ولو أباد الصهاينة مليوني مواطن فلسطيني في غزة ومعهم سكان الضفة الغربية.

فخامة الرئيس،

لقد قرر الرئيس المؤسس المختار ولد داداه، رحمه الله، قطع علاقات بلادنا مع الولايات المتحدة وبريطانيا عام 1967، لأنهما دعمتا الكيان العنصري الصهيوني عسكريا في عدوانه ذلك على بلدين شقيقين، لكن المجازر البشعة التي يرتكبها الصهيوني جو بايدن بأيدي الإرهابي "نتن ياهو" تجاوزت كل صور البشاعة والإجرام، ولولا المواقف الأمريكية التي تدافع عن جرائم الكيان الصهيوني في غزة وفلسطين، لما كان للإرهاب الصهيوني أن يتواصل بهذه الوتيرة البشعة. لذلك أجد أننا ملزمون بتبني موقف مختلف عن مواقف دول "الاعتدال" العربية، التي تعترف بالكيان الصهيوني أو تسعى للاعتراف به رغم وقاحته وبشاعته وإجرامه، ورغم كونه وليدا غير شرعي أقيم على أرض عربية إسلامية لا يملكها "بلفور" ولا الأمم المتحدة صاحبة قرار التقسيم 181 المشؤوم، لذلك فإن من واجبنا كمسلمين وكعرب وأفارقة أكثر انعتاقا من "غيرنا" أن نتبنى موقفا مناسبا من واشنطن. فحاجتها إلينا أكثر من حاجتنا إليها، والبدائل قائمة كالصين الشعبية وروسيا و"البريكس" عموما، وحتى لو لم تكن البدائل قائمة فإن واجبنا يملي علينا الانحياز لدماء أشقائنا الذين يذبحون كل ثانية في قطاع غزة وفي الضفة الغربية بحماية من واشنطن ودعمها العسكري والاقتصادي والسياسي للإرهابيين الصهاينة.

لذلك أتساءل وأنا أخاطبكم، ما الذي سيحدث لو قررنا قطع علاقاتنا الدبلوماسية مع واشنطن مجددا وحتى مع بريطانيا وفرنسا؟ وما الذي جرى لبلادنا بعد عام 1967 حين قطعت علاقاتها مع الولايات المتحدة وبريطانيا؟

أتمنى أن تظل سياساتنا الخارجية ومواقفنا السيادية غير مرتبطة بما يتبناه الآخرون وخاصة على مستوى ما يسمى بجامعة الدول العربية التي أسستها بريطانيا عام 1945 وما زالت في خدمتها حتى اليوم.

أحمد ولد مولاي امحمد

سبت, 01/06/2024 - 00:36