حين تُدرك إدارة التكوين المهني متأخرة قيمة من كانوا في صفوفها

 

في مؤسسات التكوين المهني، حيث يُبنى المستقبل وتُصنع الكفاءات، يشكل العنصر البشري حجر الأساس لنجاح أي برنامج أو استراتيجية. ومع ذلك، يواجه كثير من المكونين والخبراء المجدين تهميشًا ممنهجًا، لا لضعف في الأداء، بل نتيجة غياب الرؤية الإدارية الواضحة، أو بسبب اختلالات في موازين الاعتراف والتقدير.

إنه الواقع الذي نراه يومًا بعد يوم: مكون يبدع في تطوير منهجيات بيداغوجية حديثة، يساعد المتدربين على التميز، يواكبهم في التربصات، يفتح لهم آفاق التشغيل، ثم يُفاجأ بأنه خارج دائرة التقدير أو الترقية. بل قد يُستبدل بآخر لا يملك نصف كفاءته، فقط لأن الإدارة لم ترَ فيه سوى "موظف عادي".

أمثلة من الميدان:

مكون كهرباء السيارات في مركز جهوي للتكوين: طوّر ورشات عملية بشراكات محلية، وساهم في توظيف دفعات كاملة. ورغم ذلك، لم يُمنح أي مشاركة في تطوير البرامج الوطنية، ولم يُطلب رأيه في مشاريع الإصلاح. وعندما تلقّى عرضًا من مؤسسة خاصة خارج البلاد، غادر. ولمّا غاب، بدأت نتائج الأقسام تتراجع، والتكوين أصبح رتيبًا دون روح أو إبداع.

خبيرة إرشاد وتوجيه مهني: كانت تقود برامج إدماج المتخرجين بكفاءة عالية، وتتابع المتدربين حتى بعد التخرج. لم تُدرج في أي لجنة وطنية لتطوير التوجيه، رغم خبرتها الميدانية. وحين انسحبت، اختلت منظومة التوجيه في مؤسستها، وصار الإدماج في سوق العمل أضعف مما كان.

إطار إداري مكلف بالشراكة مع المؤسسات المستقبِلة للمتدربين: بنى شبكة علاقات مهنية قوية مع القطاع الخاص، وضَمِن أماكن تربص سنوية لجميع الشعب. عُوِّض في إطار "تدوير داخلي"، فتراجعت فرص التربص، وخسرت المؤسسة ثقة كثير من الشركاء.

الرسالة:
إدارات التكوين المهني مطالبة بإعادة النظر في طريقة تعاملها مع مواردها البشرية. لا يكفي تطوير البنية التحتية أو تحديث البرامج، إذا كانت الكفاءات تُهمل، ولا تُمنح ما تستحق من تقدير وتحفيز. فالعنصر البشري هو الركيزة الحقيقية لأي إصلاح.

كم من مركز فقد بريقه برحيل مكوّن كان يعمل بصمت، وكم من مؤسسة تراجع أداؤها لأن من كان يصنع الفرق اختار الانسحاب.

الاحتفاظ بالمتميزين في التكوين المهني هو استثمار في المستقبل. والاعتراف بمجهوداتهم هو رسالة أمل للآخرين. فالخسارة الأكبر ليست في مغادرة شخص ما، بل في أن تكتشف – بعد فوات الأوان – أنك لم تدرك قيمته إلا حين فقدته.

أحمدو سيدي محمد الگصري 

جمعة, 09/05/2025 - 17:14