
نشرت الجريدة الرسمية والوقائع المصرية بتاريخ 10/06/2025 القانون رقم 86/2025، المتعلق بتنظيم إصدار الفتوى الشرعية في مصر..
قَسَّمَ القانون الفتوى إلى قسمين:
ـ الفتوى الشرعية العامة: ويختص بها كل من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومجمع البحوث الإسلامية، ودار الإفتاء المصرية.
ـ الفتوى الشرعية الخاصة: ويختص بها كل من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، ودار الإفتاء المصرية، وأئمة وزارة الأوقاف بشروط محددة، واللجان المشتركة التي تنشأ بقرار من الوزير المختص بشؤون الأوقاف داخل وزارة الأوقاف، مع شروط محددة لعضوية هذه اللجان.
ونص القانون الجديد أنه: "لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف تشكيل لجان للمتابعة المستمرة للتأكد من تحقيق الانضباط الافتائى.."، وأنه في حال تعارض الفتاوى الشرعية، يُرجح رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.
ونص القانون على أن للأئمة والوعاظ في الأزهر وهيئاته، والمتخصصين في وزارة الأوقاف، وغيرهم من المصرح لهم قانونًا، القيام بمهام إرشاد المسلمين في أمور دينهم، ولا يعتبر ذلك تعرضا للفتوى..
وألزم القانون المؤسسات الصحفية والإعلامية والمواقع الإلكترونية وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي بعدم نشر أو بث الفتاوى الشرعية إلا إذا كانت صادرة عن المختصين وفقًا لأحكام هذا القانون..
وجرم القانون وعاقب مخالفة مقتضياته بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة مالية..
إلى ذلك، واستباقا لملاحظات قد يبديها البعض: تنظيم الشأن الديني في حواضر الإسلام العريقة كمصر قديم جدا، ففي محاضرة قدمها سنة ماضية في نواكشوط الدكتور عبد الواحد النبوي الرئيس الأسبق للإدارة المركزية لدار الوثائق القومية المصرية استعرض المحاضر وثيقة بدار الوثائق القومية ترجع لبداية القرن العشرين (إن لم تخن الذاكرة) تطلب فيها جماعة مسجد قاهري من وزارة الأوقاف الإذن لشيخ شنقيطي بدريس صحيح البخاري في المسجد، فمنذ أمد بعيد والشأن الديني منظم..
وتنظيم الفُتْيا أقدم من ذلك بكثير: تُورِدُ كتب التواريخ والتراجم أن الإمام أبا حنيفة رضي الله عنه انتقد أحكاما لقاضي الكوفة محمد بن أبي ليلى فشكاه القاضي إلى الوالي، فمنعه الوالي من الفتيا، فسألته ابنته يوما، وهو في بيته عن أمر أشكل عليها في صومها، فقال لها: سلي أخاك حمادا فإن الأمير منعني من الفتيا، يعلق ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان على القصة ـ وقد أوردها في ترجمة ابن أبي ليلى ـ فيقول: "وهذه الحكاية معدودة في مناقب أبي حنيفة وحسن تمسكه بامتثال إشارة رب الأمر، فإن إجابته طاعة، حتى إنه أطاعه في السر، ولم يرد على ابنته جوابا، وهذا غاية ما يكون من امتثال الأمر"..
مُوجِبُه: الحاجة الملحة في بلادنا إلى المزيد من ضبط الفُتْيَا، فمع وجود القانون النظامي رقم 2018/014 المتعلق بالمجلس الأعلى للفتوى والمظالم، والمرسوم رقم 2018/095، المتعلق بتنظيم وسير عمل هذا المجلس، فإن مجال الفُتْيَا بحاجة لتنظيم أدق، يفصل بين أقسام الفتوى عامة وخاصة، وبَيْن الفتوى والوعظ والإرشاد والتدريس، ويحدد صلاحيات الأئمة والعلماء، وضوابط نشر وبث الفتاوى، والأهم من كل ذلك مقتضيات جنائية تجرم وتعاقب مخالفات القواعد المقررة قانونا لتنظيم المجال، فلن يمتثل البعض هنا للمنع من الفُتْيَا بمجرد الأمر، كما امتثل الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه..
من صفحة القاضي أحمد عبدالله المصطفى