الصراع في الصحراء الغربية وتداعياته /العقيد المتقاعد أنه ولد الصوفي

         زيارة وفد صحراوي هام لموريتانيا وواقع سياسة الحياد.

لقد حل بنواكشوط، بداية الشهر الجاري،  وفد صحراوي رفيع المستوى، برئاسة السيد حمه سلامه، رئيس المجلس الوطني الصحراوي، محملا برسالة خطية من فخامة الرئيس الصحراوي إبراهيم غالي. وقد أستقبل الوفد بحفاوة، فور وصوله، من طرف فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي قد أرجأ سفره إلى البلاد المقدسة بيوم في انتظار وصول هذا الوفد الهام، مما يدل على الأهمية  التي يوليها فخامته للشعب الصحراوي وحكومته الشقيقين. وحسب بعض المصادر الخاصة، فإن هذه الرسالة تتعلق أساسا بتنقية الأجواء بين البلدين، والحرب الدائرة بين جبهة بوليزاريو والمغرب. ومن المعلوم أن موريتانيا تنتهج، حيال هذا النزاع، سياسة الحياد منذ خروجها من حرب الصحراء الغربية، إثر انقلاب 1978. ويتمثل هذا الحياد في عدم الميل إلى أي طرف من أطراف النزاع، والبعد عن الحكم على أحد الشقيقين المتحاربين، بغض النظر عن من هو الظالم ومن هو المظلوم، حرصا منها على إرضاء الطرفين. غير أن العارفين بالعلوم السياسية، يرون أن هذه السياسة الحيادية تؤيد الموقف المغربي على حساب الطرف الآخر. ويعلل هؤلاء ذلك بعدم اصطفاف موريتانيا إلى جانب صاحب الحق؛ علما أنها هي التي قالت في يوم مشهود، أن لا ناقة لها ولا جمل في الصحراء الغربية، وذلك بعد سنين من تكرار نفس المزاعم المغربية على الصحراء الغربية! وهذا دليل واضح على أن المغرب، أيضا، لا ناقة له ولا جمل في الصحراء. ونظرا لصمت موريتانيا على هذه الحقيقة، يصبح حيادها، بحد ذاته، مؤيدا للأطروحة المغربية. وعلى سبيل الميثال، فلو أن موريتانيا طالبت الأمم المتحدة بجعل الجزئ الصحراوي، الذي كانت تحتله، تحت الوصاية الأممية، لكان المغرب قد وجد نفسه في ورطة حقيقية، لا يمكن أن يخرج منها إلا بخروجه من كل الأقاليم الصحراوية! بيد أنه لا يثمن هذا الموقف الموريتاني المساند ضمنيا له، ولا يعره اهتماما. وعلاوة على ذلك، فقد ظل يتصرف، بشكل غير ودي، ضد موريتانيا. ومما يثير الدهشة والاستغراب، حملات الشتائم والاهانات التي يقوم بها بعض الساسة في المغرب ضد بلدنا، حتى أنهم  طالبوا مرارا وتكرارا بغزوه وبضمه للمملكة، سذاجة منهم! (فهم لا يفهمون أن الشعب الموريتاني عصي على نمط الحكم الملكي). وفي مناسبات سياسية عديدة، دخلت موريتانيا في معتركها، لم ينحاز المغرب إلى الموقف الموريتاني، حتى أن العاهل المغربي الراحل، في خطاب له، وصف موريتانيا بأنها "دولة صديقة وليست شقيقة". ويضاف إلى هذه الإساءات، أن الجيش المغربي، في السنوات الأخيرة، أستأسد على العشرات المواطنين الموريتانيين من منمين ومنقبين عن الذهب عزل، شاء لهم القدر أن مروا بالحدود الموريتانية- الصحراوية (التي توجد تحت  الرقابة الجوية المغربية) بحثا عن الكلأ والذهب، فباغتتهم المسيرات المغربية  وقتلهم بوحشية!! والأدهى والأمر من ذلك، أنه لم يعتذر، لا للدولة الموريتانية، ولا لذوي الشهداء عن هذه الاعتداءات السافرة، بل أنه قد تمادى فيها وبدون رحمة حتى قبل أيام قليلة!
وختاما، فإنه يتحتم على موريتانيا أن تلعب دورا أكبر حتى يكون حيادها نشطا وفعالا، مستخدمة كل ثقلها الديبلوماسي والاقتصادي والاستراتيجي في سبيل حل عادل للقضية الصحراوية، خاصة، من وجهة نظري، أن لها مسؤولية اخلاقية في المأساة التي يعيشها الشعب الصحراوي، منذ عدة عقود، وذلك من منظور مشاركتها في غزو الصحراء الغربية سنة 1975، إلى جانب المملكة المغربية. ومن نافلة القول إن الحرب في هذه المنطقة، لا يتوقع أن تنتهي، مهما تعاظمت القدرات  العسكرية المغربية، إلا بضمان تنظيم استفتاء حر ونزيه، تحت رقابة أممية، يشارك فيه الصحراويون كافة، المقيمين بالمغرب، وبالجزائر وفي الشتات. وإن لم يسلك  هذا الطريق، ستتسع الحرب حتى تشمل دولا أخرى، لا قدر الله تعالى. ومهما يكون، فإنه يتوجب على الحكومة الموريتانية، أن تقف وبقوة ضد الاستفزازات المغربية المتكررة والتي تتلخص، أساسا، في التنقيص من شأن موريتانيا، بالإضافة إلى زهق أرواح مواطنيها ظلما وعدوانا. فلا يحق للجيش المغربي، تحت أي ذريعة، أن يستخدم آلة بطشه ضد موريتانيين عزل، حتى لو كانوا قد دخلوا بطريقة غير شرعية  في عمق الأراضي المغربية. وعليه، لا شيئ يبرر معاقبة هؤلاء الموريتانيين بالموت! لا ذنب لهم، سوى أنهم قد مروا بهذه الحدود عن قصد أو غير قصد. فهم لا يحملون، لا سلاحا، ولا ذخيرة، ولا مخدرات حتى يقال إنهم إرهابيون! وحسب علمي، فإنه باستثناء الجيش الاسرائيلي، لا يوجد أي جيش، في العالم، يقتل من دخل، بشكل غير شرعي، حدود بلاده، سوى الجيش المغربي، للأسف الشديد! وإلى ذلك، على السلطات الموريتانية، أن تفهم أنها، بصمتها وعدم احتجاجها، إزاء هذه الأحداث المأساوية، فإنها تعطي المغرب الضوء الأخضر لمواصلة  هذه المجازر.

         بقلم العقيد المتقاعد أنه ولد الصوفي

جمعة, 13/06/2025 - 17:31