الطريق إلى واشنطن: إفريقيا في عين العاصفة الجيوسياسية د. ختار ولد الشيباني – أستاذ جامعي ووزير سابق

 

مما أثار انتباهي اليوم، وأنا أشاهد وأتصفح المواقع العالمية، هو الاهتمام الكبير الذي حظي به استقبال الرئيس الأميركي دونالد ترمب لخمسة رؤساء أفارقة في البيت الأبيض.
هذا الحدث، الذي لفت أنظار وسائل الإعلام العالمية، لم يكن مجرّد لقاء دبلوماسي عادي، بل تردد صداه واسعًا عبر القنوات والمنصات الدولية، ما يعكس أهميته الاستراتيجية وحجم التحديات التي تحيط بالعلاقات بين إفريقيا والولايات المتحدة في ظل الصراعات الجيوسياسية المتصاعدة.

تغطية وسائل الإعلام العالمية – من واشنطن إلى باريس، ومن بكين إلى نيروبي – لم تركز فقط على وجوه القادة الحاضرين، بل ركزت على الرسائل الضمنية لهذا اللقاء، وعلى الرسائل التي يرسلها ترمب للعالم من خلال اختيار هذه الدول الخمس بالتحديد.
إن هذا الاهتمام الإعلامي يكشف حجم التحول في النهج الأميركي تجاه القارة، وتزايد الحاجة إلى فهم هذه الديناميكية الجديدة التي قد تعيد رسم خريطة النفوذ في إفريقيا.

هذه الدعوة، التي جاءت في توقيت دقيق، ليست مجرد لفتة دبلوماسية، بل تعبّر عن مسعى أميركي واضح لإعادة تشكيل العلاقة مع إفريقيا من خلال مقاربة جديدة تعتمد الانتقائية البراغماتية بدل الشمول المؤسسي.
فالدول الخمس المختارة – موريتانيا، السنغال، الغابون، غينيا بيساو، وليبيريا – ليست دولًا ذات وزن سكاني كبير، ولا تشكل تكتلًا سياسيًا أو أمنيًا، لكن يجمعها عنصران أساسيان: الاستقرار النسبي ووفرة الموارد الاستراتيجية.
إنها دول قابلة للتفاهم، غير منخرطة في محاور معادية، وتملك ما يكفي من الثروات والموقع الجغرافي لتكون ذات أهمية في صراع النفوذ الدولي.

موريتانيا، على سبيل المثال، أصبحت محط اهتمام متزايد بفعل اكتشافات الغاز البحري المشتركة مع السنغال، وتعدد مواردها المعدنية من حديد، ونحاس، وذهب، وكوبالت، وزنك، وجرافيت……..
هذه الثروات، إلى جانب موقعها المفتوح على الأطلسي، وموقعها الجيوسياسي بين المغرب العربي وغرب إفريقيا، تجعل منها بلدًا محوريًّا في أي إستراتيجية كبرى نحو القارة.
والولايات المتحدة الأميركية لا تخفي رغبتها في بناء تحالفات مع أنظمة تعتبرها “آمنة سياسيًّا”، يمكن التعويل عليها دون الدخول في مساومات أيديولوجية أو مناكفات سيادية.

الجانب الاقتصادي – من وجهة نظري الخاصة – هو الأهم بالنسبة لواشنطن، فهذه الدول تمثل احتياطيًا كبيرًا للمواد الأولية الضرورية للاقتصاد العالمي في العقود القادمة.
الموارد المعدنية التي تحتضنها الدول الخمس – من البوكسيت واليورانيوم والليثيوم إلى الزركون والروتيل والتيتانيوم – أصبحت تدخل في صميم سباق الصناعات المستقبلية، من الطاقة إلى التكنولوجيا.
والصين، التي سبقت الجميع إلى هذا الميدان، فرضت واقعًا جديدًا جعل الولايات المتحدة تتحرك بجدية نحو شراكات جديدة، ولو متأخرة.

كما أرى بأن البعد الأمني لا يقل أهمية.
فالساحل الأطلسي، الممتد من موريتانيا إلى خليج غينيا، بات ساحة مفتوحة لتهديدات عابرة للحدود: جماعات مسلحة، وشبكات تهريب، وهجرة غير نظامية، ومخاطر بيئية متزايدة.
وفي ظل انسحاب فرنسا، وتراجع الثقة بالمؤسسات الإقليمية، يبدو أن واشنطن تبحث عن صيغة مرنة تتجنب التورط العسكري، وتقوم على دعم القدرات المحلية، وتحقيق توازن بين الأمن والتنمية.
الدعوة إلى البيت الأبيض تأتي في هذا السياق، كمؤشر على بداية توجه جديد لبناء تحالفات “خاصة”، بعيدة عن التنظير، قريبة من الواقع.

وعليه، فإن زيارة الرئيس الموريتاني إلى واشنطن ليست مجرد محطة خارجية، بل لحظة سياسية دقيقة، تتطلب من النظام الرسمي الموريتاني أن يحسن التموضع والتفاوض.
وفي الختام، فإني أرى بأن موريتانيا مطالبة اليوم ببناء علاقة متوازنة تحفظ للبلاد استقلال قرارها السيادي وموقفها الثابت من أم القضايا، ألا وهي القضية الفلسطينية،
وأن تفتح آفاقًا مستقبلية للاستفادة من الشراكة الأميركية، دون أن تسقط في التبعية أو الرهانات قصيرة المدى.
فالعالم يتغير بسرعة، ومن لا يمتلك رؤية واضحة لموقعه ومصالحه، سيجد نفسه على هامش خريطة يُعاد رسمها دون استشارته.

أربعاء, 09/07/2025 - 15:55