تحديث التشريعات الوطنية: ضرورة ملحة لمكافحة المخدرات وغسل الأموال في موريتانيا/القاضي محمدن ولد الشيخ

   تُشكل مكافحة الجريمة المنظمة، ولا سيما الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية، تحديًا عالميًا يتطلب استجابات تشريعية وقضائية متطورة ومواكبة لأحدث المعايير الدولية. وفي هذا السياق، تظل الجمهورية الإسلامية الموريتانية ملتزمة بتعزيز إطارها القانوني لمواجهة هذه الظواهر.

     ومع ذلك، فإن قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الموريتاني رقم 73.93 الصادر بتاريخ 2 يوليو 1993، رغم أهميته التاريخية عند صدوره، يواجه اليوم تحديات كبيرة في مواكبة التطورات التشريعية العالمية، خاصة فيما يتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهو ما يستدعي مراجعة شاملة وتحديثاً جذرياً لعدد من مواده.

      يهدف هذا المقال الموجز إلى تحليل أوجه القصور في القانون الحالي وتقديم مقترحات لتطويره بما يضمن فعاليته وانسجامه مع التوصيات الدولية.

أولًا: قصور في دمج مفاهيم غسل الأموال وتمويل الإرهاب

     على الرغم من أن المادة 6 من القانون الحالى  ( القانون رقم : 73.93 ) قد تناولت تجريم عمليات تطهير الأموال المرتبطة بتجارة المخدرات، إلا أن النص القانوني يفتقر إلى الربط المتكامل والواضح بين جريمة المخدرات كجريمة أصلية، وجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بالشكل الذي تقتضيه وتوصي به Recommandations 3, 4 et 5 du GAFI [التوصيات 3 و4 و5 لمجموعة العمل المالي]. هذا القصور يحد من القدرة على تتبع وملاحقة العائدات الإجرامية بشكل فعال.

     المطلوب: يتعين التنصيص الصريح والواضح على أن جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، أو تلك التي تدر عوائد غير مشروعة، تُعد “جرائم أصلية” لأغراض تطبيق قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

     هذا التعديل يضمن انسجام القانون مع المادة 2 من قانون رقم 017/2019 المتعلق بغسل الأموال وتمويل الإرهاب في موريتانيا، ويعزز الإطار القانوني لتجفيف منابع التمويل غير المشروع.

ثانيًا: غياب آليات فعّالة للتجميد التحفظي والحجز الفوري للأموال والممتلكات

     يتضمن القانون الحالي (المواد 29-31) ترتيبات للحجز التحفظي، بيد أن هذه الآليات تبدو غير كافية وغير واضحة من حيث التنفيذ الفعلي، ولا تتضمن إجراءات عاجلة للتجميد الإداري أو القضائي للأصول. هذا النقص يعيق القدرة على تجميد الأصول المشتبه بها فورًا، مما يتيح الفرصة للمجرمين لنقلها أو إخفائها.

     المطلوب: يجب إدراج نصوص قانونية صريحة وواضحة تمنح وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق صلاحية إصدار أوامر التجميد والحجز الفوري لجميع الأصول والممتلكات المرتبطة بجرائم المخدرات.

       يجب أن يتماشى هذا الإجراء مع les Recommandations 4 et 38 du GAFI [التوصيتين 4 و38 لمجموعة العمل المالي]، مع وضع آليات تنفيذية فعالة لإدارة هذه الأصول بما يضمن الحفاظ على قيمتها، ويسهل لاحقاً إعادة استخدام العائدات الإجرامية المصادرة في الأغراض العامة أو لتمويل جهود مكافحة الجريمة.

ثالثًا: عدم كفاية التعاون الدولي وتسليم المجرمين

     يفتقر القانون الحالي إلى أحكام واضحة ومنظمة بشأن التعاون القضائي الدولي، بما في ذلك الإنابات القضائية وتسليم المجرمين في قضايا المخدرات والمؤثرات العقلية. هذا الغياب يشكل عائقاً أمام تبادل المعلومات والمساعدة القانونية بين الدول لمواجهة الجرائم العابرة للحدود.

     المطلوب: يتعين إضافة فصل خاص داخل القانون يُعنى بتنظيم آليات التعاون الدولي، يشمل طلبات المساعدة القانونية المتبادلة، تسليم المطلوبين، وتبادل المعلومات. يجب أن يُبنى هذا الفصل على المبادئ المنصوص عليها في la Convention de Vienne de 1988 [اتفاقية فيينا لسنة 1988]، وla Convention de Palerme de 2000 [اتفاقية باليرمو لسنة 2000]، لضمان استجابة فعالة للجريمة المنظمة دولياً.

رابعًا: قصور في اعتماد مقاربة صحية–علاجية متكاملة

     بينما يتضمن القانون الحالي بعض الترتيبات العلاجية للمتعاطين (المواد 42-49)، فإن تطبيقها يظل في بعض الحالات خاضعاً لسلطة تقديرية واسعة، ولا يشكل نظاماً متكاملاً لإعادة الإدماج الصحي والاجتماعي، مما يحد من فعالية جهود معالجة الإدمان.

     المطلوب: ينبغي اعتماد آلية قانونية بديلة للعقوبات السالبة للحرية بالنسبة للمتعاطين من غير المروجين أو التجار.

     يتطلب ذلك إنشاء Tribunaux de traitement de la toxicomanie (Drug Treatment Courts) [محاكم معالجة الإدمان] تضمن توفير الدعم الصحي والنفسي والاجتماعي للمدمنين، بما يتماشى مع المبادئ التي تعتمدها l’ONUDC (Office des Nations Unies contre la drogue et le crime) [مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة]، والاتفاقيات الصحية التابعة لـ l’OMS (Organisation mondiale de la Santé) [منظمة الصحة العالمية]، مما يعزز جانب الرعاية الصحية والإنسانية.

خامسًا: نقص في تجريم الأفعال المرتبطة بالإفلات من العقاب والعوائق أمام العدالة

     لا يجرم القانون الحالي بشكل واضح الأفعال التي تُعيق سير العدالة أو تُسهم في إفلات المجرمين من العقاب، مثل عرقلة التحقيقات، تهديد الشهود أو الخبراء، أو تقديم الدعم المادي أو اللوجستي لعصابات الاتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية.

    المطلوب : يتعين إدراج مواد إضافية تُجرم بشكل صريح الأفعال التالية:

•          تمويل الجرائم المنصوص عليها في القانون.

•          محاولة التأثير على القضاء أو المحققين أو الشهود أو الخبراء.

•          عدم التبليغ عن أموال أو ممتلكات يُشتبه في علاقتها بجرائم المخدرات.

•          استخدام الأشخاص الاعتباريين (الشركات والمؤسسات) كواجهات للأنشطة غير المشروعة المتعلقة بالمخدرات، مع تحديد مسؤوليتهم الجزائية والمدنية.

سادسًا: ضعف في مراقبة القطاع غير المالي والمهنيين غير الخاضعين للإشراف

     لا يتضمن القانون إشارات واضحة إلى الأدوار الوقائية التي يمكن أن يلعبها بعض المهنيين والقطاعات غير المالية، مثل الموثقين، المحامين، ووكلاء العقارات. هؤلاء قد يُستخدمون كوسائط دون علمهم أو عن علم لغسل عائدات الاتجار بالمخدرات، ولا توجد عليهم التزامات إبلاغ صريحة.

     المطلوب: التنصيص على التزامات محددة لهؤلاء المهنيين (les professions et activités non financières désignées [المهن والأنشطة غير المالية المحددة]) بالإبلاغ عن أي معاملات مشبوهة قد ترتبط بعائدات المخدرات أو غسل الأموال.

     كما يجب تحديد العقوبات التي يمكن أن تفرض عليهم في حال الامتناع عن التبليغ أو التواطؤ، بما يتوافق مع les Recommandations 22 et 23 du GAFI [التوصيتين 22 و23 لمجموعة العمل المالي] التي تُعنى بقطاع الأعمال والمهن غير المالية المحددة.

الخاتمة :

     إن إعادة صياغة وتحديث قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 73.93 لعام 1993 في موريتانيا لم يعد خياراً، بل ضرورة حتمية تمليها التزامات موريتانيا الدولية ومتطلبات مكافحة الجريمة المنظمة الحديثة.

     إن تكييف القانون ليشمل المفاهيم المعاصرة لغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز آليات التجميد والمصادرة، وتوسيع نطاق التعاون الدولي، وتبني مقاربة علاجية متكاملة، وتجريم السلوكيات المعيقة للعدالة، بالإضافة إلى إشراك القطاعات غير المالية في جهود المكافحة، سيعزز بشكل كبير قدرة موريتانيا على حماية نظامها المالي والمجتمعي من تداعيات الجريمة المنظمة.

     هذه الإصلاحات التشريعية لن تسهم فقط في تحقيق الامتثال للمعايير الدولية، بل ستمثل خطوة استراتيجية نحو بناء نظام عدالة جنائية أكثر فعالية وشمولية في مواجهة التحديات المتجددة.

القاضي / محمدن الشيخ

مكلف بمهمة فى ديوان وزير العدل الموريتاني

 

جمعة, 01/08/2025 - 00:32