مسودة نداء إلى عقلاء الأغلبية والمعارضة (دعوة للنقاش

مسودة نداء إلى عقلاء الأغلبية والمعارضة (دعوة للنقاش )
في وقتٍ يغيب فيه الخطاب الوطني الجامع، وتتصاعد فيه خطابات التفرقة والتشظي العرقي والشرائحي والقبلي، وتتراجع فيه أصوات العقل والحكمة، يكون صمت العقلاء واستمرارهم في التفرج على هذه المخاطر دون فعلٍ إيجابي خطيئة لا تُغتفر.
إن العاقل الذي يصمت في مثل هذه الأوقات يُعدّ شريكًا ومتواطئًا في هدم النسيج الاجتماعي، ومساهمًا فيما يحدث من انقسام وتشظٍّ بين مكونات المجتمع.
لقد انشغل بعض رموز الأغلبية بإطلاق المبادرات القبلية وإقحام القبيلة في المجال السياسي، وذلك رغم التعميم الواضح الذي أصدره معالي وزير الداخلية واللامركزية يوم الاثنين الموافق 24 يناير 2020، والذي طلب فيه من الولاة عدم الترخيص لأي نشاط قبلي على أراضي الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ومع ذلك فقد أقحم العديد من داعمي النظام القبيلة في المجال العام، وخصوصًا السياسي، وذلك بسبب غياب أي رصيد سياسي حقيقي لديهم يمكّنهم من الحشد الجماهيري دون اللجوء إلى الخطاب القبلي.
وفي المقابل، وهنا قد يكون الأمر أكثر خطورة، لجأ بعض رموز المعارضة إلى تأجيج الخطاب العرقي والشرائحي تعويضًا عن الفشل في بلورة برامج ومشاريع سياسية قادرة على استقطاب الجماهير.
وفي ظل لجوء بعض الأطراف في الأغلبية إلى القبيلة، ولجوء بعض الأطراف في المعارضة إلى الشحن العرقي والشرائحي، يصبح النسيج الاجتماعي مهددًا، واستقرار البلد في خطر، خاصة وأنه يقع بحكم الجغرافيا في منطقة غير مستقرة، ويزيد من تعقيد الأمور أنه ينعم بخيرات كثيرة يسيل لها لعاب القوى العظمى المتنافسة على خيرات المنطقة.
المقلق في الأمر أن كل العوامل المؤثرة حاليًا تساهم في خلق بيئة جاذبة لعدم الاستقرار، فالعقلاء في طرفي المعادلة السياسية (الأغلبية والمعارضة) مستمرون في تفرجهم وصمتهم، ويزداد ضعفهم وقلة حيلتهم يومًا بعد يوم، وفي المقابل، فإن أصحاب الخطاب القبلي في الأغلبية يزداد حضورهم، ودعاة التفرقة الشرائحية والعرقية في المعارضة يزداد نفوذهم، وهذا يعني أن الخطر بات يقترب بخطوات أسرع.
ومما يؤسف له كثيرا، أن المعارض صاحب المشروع الوطني، لا يمتلك الجرأة لانتقاد المعارض صاحب الخطاب الشرائحي والعنصري، مع أن هذا الأخير ينمو ويكبر على حساب الأول، ونفس الشيء يحدث في الفسطاط الثاني، فالموالي الوطني الذي يوالي لمصلحة وطنية لا يمتلك هو أيضا الجرأة لانتقاد أولئك الموالين الذين يختصرون الموالاة في مصالح ضيقة، ويذكون النعرات القبلية لتحقيق تلك المصالح، ومن المعلوم بداهة أن صمت الموالين الوطنيين سيؤدي إلى المزيد من نفوذ وتحكم الموالين من أصحاب المصالح الضيقة.    
إننا نعتقد أن واجب العقلاء الوطنيين في طرفي المعادلة السياسية (الأغلبية والمعارضة) يفرض عليهم التحرك العاجل والفوري لحماية البلد من كل هذه المخاطر المحدقة به، ولذا فإن هذا النداء يدعو إلى تشكيل "حلف عقلاء" يضع انسجام مكونات المجتمع ووحدة البلد فوق كل اعتبار، ويقطع - بالتالي - الطريق أمام كل من يذكي النعرات القبلية أو يستغل المظالم الشرائحية لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة وآنية.
إن هذا النداء يدعوكم إلى التصدي لخطاب التشظي والكراهية، والعمل على إبعاد القبيلة عن السياسة، ولن يتحقق ذلك إلا بتعزيز الخطاب الوطني الجامع، ودعم الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية الجادة، حتى تكون قادرة على أن تحقق لمنتسبيها ما يسعون لتحقيقه من خلال العودة إلى الهويات الضيقة كالقبيلة أو الشريحة.
نحن اليوم بحاجة ماسة إلى:
1 - إطلاق نقاش وحوار جدي بين عقلاء هذا البلد يعترف - بشجاعة - بحجم المخاطر والتحديات القائمة، ويعمل على بناء الثقة وترسيخ اللحمة بين مكونات المجتمع.
2 - صياغة ميثاق شرف يُلزم الجميع بالابتعاد عن الخطاب القبلي والشرائحي والعرقي، والعمل معًا من أجل أن يكون الخطاب الوطني الجامع هو السائد بين السياسيين، سواء كانوا في المعارضة أو الموالاة أو أصحاب مواقف سياسية مستقلة.
3 - بناء جبهة واسعة من المثقفين والساسة والفاعلين الجمعويين، تتصدى لكل الخطابات الشرائحية والعرقية والقبلية، وتقف ضد كل أشكال العنصرية والكراهية ومحاولات التفرقة بين مكونات المجتمع.
إننا لا نحتاج اليوم إلى شعارات ومبادرات جديدة، بقدر ما نحتاج إلى شجاعة في الموقف، وجرأة في المبادرة، واستعداد للعمل الواعي والهادف حمايةً لبلدنا ومجتمعنا. فالوقت بدأ ينفد بالفعل، فلا تتأخروا - يا عقلاء البلد - في التصدي لكل ما يهدد وحدة واستقرار بلدكم.
خارطة طريق أولية
1 - تشكيل نواة صلبة من 10 إلى 15 شخصية مستقلة ومعروفة بالوطنية والحكمة، تتولى إطلاق النداء رسميًا.
2 - تنظيم لقاء تشاوري يجمع ممثلين عن مختلف الأطياف السياسية والمدنية لمناقشة آليات عمل الحلف.
3 - إطلاق حملة إعلامية واسعة لنشر النداء بشكل مكثف عبر كل وسائل الإعلام المتاحة، مع التعريف بالحلف، والعمل على استقطاب المزيد من الداعمين له.
في انتظار آرائكم وملاحظاتكم ومقترحاتكم لتطوير هذه المسودة وصياغتها بشكل نهائي.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين الفاضل 
[email protected]

أربعاء, 03/09/2025 - 17:49