التدوير القاتل: حين تصبح المناصب مزرعة للقبيلة لا للكفاءة

من الأسباب التي جعلتنا نتقهقر يومًا بعد يوم من سيّئ إلى أسوأ، هو الاهتمام والتركيز أثناء كل تغيير حكومي — ومنذ عام 1978 — على المحاصصة القبلية والقومية والشرائحية التي وُلدت مؤخرًا.
ولو كان في المحاصصة خير، لقطفته الشقيقة لبنان، إلا أن الأسوأ من هذا كله هو التدوير… والتدوير… والتدوير للمسؤولين بلا مَللٍ ولا كلل، وبأشكالٍ فاقت تدوير المزارعين لمزابل الحيوانات والنفايات النتنة للحصول منها على أسمدة لمحارث النعناع وبعض الخضروات الأخرى.

ولو أن اختيار أعضاء الحكومة كان على أساس الكفاءة والاختصاص والتكنوقراطية، لكان خيرًا وأكثر نفعًا للقبيلة والقومية والشرائح، وأسدّ رأيًا وأرشدَ سبيلًا للدولة.
وهكذا تعوّدنا على نتائج الحكومات “المدوَّرة” والقبلية والقومية والشرائحية، المتمثلة في نهب المال العام على شاكلة نهب الجراد لحرث قومٍ يعشّش فيه برهةً من الوقت.

والطامة الكبرى أن كلما نهب المسؤول أكثر فأكثر، زاد احتمال تدويره ولو لألف مرة!
ومن أدلة التشويش الذهني واتباع النهج القبلي والإيمان به — بدل الإيمان بأننا دولة عصرية تنصهر فيها مصالح القبائل — أن الوزير المقال في التعديلات الوزارية لا بد أن تُعوض قبيلته بوزير آخر منها، ريثما يُدوَّر المقال من جديد في تشكيلٍ لاحق، بشرط أن يكون سبب إقالته في المرة السابقة سرقة المليارات وإفلاس مؤسسات عديدة، وأن تكون منازله في تفرغ زينه، ولكصر، وفرنسا، وأمريكا، وتركيا، والسعودية... إلى آخر القائمة التي لا تُعد ولا تُحصى.

وأعتقد أن صبر الشعب الموريتاني على هذا المنوال بدأ ينفد، وبدأ غضبه وفورانه يتصاعد، فالرجاء أن يُستبان النصح قبل ضحى الغد.

وأُنوّه في الأخير إلى أن انقسام شعبنا على نفسه في الآونة الأخيرة، والملاسنات اللفظية المتبادلة، ليست كلها تعبيرًا عن انقسام شعبي حقيقي أو عن كراهية البعض للبعض، وإنما هي نتيجة لما آلت إليه دولتنا من فساد ونهبٍ للمال العام، وما سببه ذلك من بطالةٍ وفقرٍ وتشرذم.

وسوف يتلاشى كل ذلك عندما تسترجع الدولة أموالها المنهوبة من طرف سدنة أكلَة المال العام، وكرامتها المسلوبة من شيوخ القبائل، وتختار حكومة من الأكفاء بعيدًا عن الأنماط السائدة.

 ذ/ الدكتور محمد كوف الشيخ المصطف العربي

اثنين, 13/10/2025 - 14:57