التوفيق في تعزيز السياسة الجنائية في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية 

 

عند الحديث عن الثوابت التي ينبغي أن تستقر عليها سياستنا الجنائية في مجال التصدي للهجرة غير الشرعية في البلاد، يجب أن يكون ذلك في حدود تطبيق القانون مع مراعاة ضرورات الأمن الوطني وتحقيق متطلبات التنمية الشاملة للبلاد على مختلف الأصعدة.
وفي إطار دولة القانون والمؤسسات، يتبادر إلى الذهن المقولة الشهيرة "شعرة معاوية بن أبي سفيان" رضي الله عنه، حيث يجب أن نأخذ بعين الاعتبار ضرورة التوازن بين الشدة واللين، بين الرحمة والقسوة، وذلك حسب مقتضيات المواقف. 

هذا التوازن يُطبق ضمن حدود المنظومة القانونية الوطنية، وبشكل خاص تلك التي تنظم مجالات الهجرة غير الشرعية.
ويأتي الدور الأساسي في هذا الصدد على أجهزة إنفاذ القانون مثل الشرطة والدرك وحرس السواحل وقوات الجيش، وكذلك القضاء الممثل في النيابة العامة والقضاء الجالس (المحاكم المتخصصة، غرف الاستئناف، والمحكمة العليا). فالدولة، من جهة، ملتزمة بتطبيق القانون والاتفاقيات الدولية في هذا المجال، ومن جهة أخرى، عليها التزام بتحقيق تنمية اقتصادية شاملة تهدف إلى تقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين مكونات المجتمع، وذلك وفقاً لما يسمح به دستور البلاد ومبادئ دولة القانون والمؤسسات.
لتحقيق التوازن بين هذه الأهداف، يتعين اتباع عدة مقاربات،من أبرزها:

أولا/ التنسيق المكثف بين أجهزة إنفاذ القانون والسلطة القضائية:
لا يمكن معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلا من خلال تنسيق فعّال بين جميع الأجهزة المختصة، وعلى رأسها أجهزة إنفاذ القانون (الشرطة، الدرك، الجيش) و السلطة القضائية المتمثلة في النيابة العامة والمحاكم المتخصصة؛

ثانيا/ كما يجب أن تتم الإجراءات القانونية بشكل مؤطر يضمن شرعية العمليات ويؤكد قبولها في إطار دولة القانون؛

ثالثا/ تعبئة الموارد اللازمة لتأمين المعابر:
يجب توفير جميع الوسائل اللازمة لضمان أمن المعابر الرسمية، وتسهيل حركة العبور من وإلى الوطن بانسيابية تامة. وفي حال حدوث أي مخالفات، يجب توثيقها في محاضر رسمية يمكن الرجوع إليها لاحقاً عند الاقتضاء، لضمان المتابعة القانونية ومساءلة مرتكبيها بغض النظر عن مركزهم القانوني؛

رابعا/ الفاعلية القضائية في تطبيق السياسة الجنائية:
يجب أن تظل السياسة الجنائية مهنية وناجعة، تتجسد في أحكام قضائية رصينة يصدرها القضاء المختص في محاربة العبودية والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، ابتداءً من المحاكم المتخصصة وصولاً إلى المحكمة العليا. ويجب أن يستقر فقه القضاء في هذا المجال على ثوابت قانونية تساهم في تكريس العدالة ومنع الممارسات غير القانونية؛ 

خامسا/ تعزيز التكوين المستمر للعاملين في القطاع القضائي والأمني:
يجب العمل على تكوين مستمر لجميع الفاعلين في السلسلة الجنائية، من ضباط الأمن إلى القضاة في مختلف درجات التقاضي، بما يضمن رفع مستوى الكفاءة القانونية وتطبيق الأنظمة والآليات المتعلقة بالهجرة غير الشرعية وفقاً للمعايير الدولية؛

سادسا /توفير الموارد اللازمة لنجاح السياسة الجنائية؛
يتعين رصد التمويل الكافي والموارد البشرية اللازمة لضمان تنفيذ السياسة الجنائية بكفاءة وفعالية. كما يجب أن يتمكن العاملون في هذا المجال من أداء مهامهم بكل مسؤولية وانضباط،بما يحقق احترام القانون ويحفظ الأمن الوطني دون تجاوزات أو قسوة مفرطة وفق ما تحض عليه تعاليم ديننا الحنيف و يحارب ما يعد انتهاكا لقواعد حقوق الإنسان في هذا الصدد؛

سابعا/ و الخلاصة؛ أنّه يجب أن تتم هذه الإجراءات من خلال مقاربة شاملة توازن بين الحزم والرحمة، مع الالتزام التام بالقانون الدولي والمبادئ الإنسانية. وعليه، على الدولة أن تواصل جهودها في تطوير سياسات أمنية متكاملة تعزز الأمن الوطني وتساهم في التنمية المستدامة، مع ضمان احترام حقوق الأفراد والحفاظ على دولة القانون التي لا تفرط في العدالة.
 القاضي/الشيخ سيد محمد شينه

اثنين, 03/11/2025 - 00:06

إعلانات