
في الذكرى ال65 لعيد الاستقلال الوطني، تحدث صاحب الفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في خطابه إلى الأمة عن جملة من القرارات المهمة، وكان من بينها "العمل الجاري على تحيين مدونة أخلاقيات وسلوكيات القضاة ..." .
ولاشك أن صدور هذه المدونة يشكل خطوة مهمة في توفير إطار مرجعي للقاضي يسترشد به في أداء مهامه وفي سلوكه اليومي وحياته الشخصية، لاسيما وأن القاضي بما يحمله من مسؤولية جسيمة يتقيد بواجب التحفظ والسلوك المهني القويم الذي يحفظ هيبة ووقار القضاء، سواء أثناء تأدية مهامه أو خارج المحكمة في علاقته بمحيطه الأسري والاجتماعي، ممايجعله دائما أمام أسئلة وأوضاع قد لايعرف كيف يتعامل معها في ظل غياب إطار مرجعي لأخلاقيات القاضي .
كما أن موضوع الأخلاقيات موضوع خصب، وممتنع، وسهل ممتنع، وفيه بعض الصعوبات، لأن فيه إكراهات الضمير وإكراهات النفس الأمارة بالسوء .
وقد شكلت الحاجة إلى صدور مدونة الأخلاقيات القضائية مع بداية القرن الواحد والعشرين عندما لاحظ مجموعة من كبار القضاة عبر العالم أن ثقة المجتمع في القضاء والقضاة تتراجع في بعض الدول، وأن مثل هذا الشعور من شأنه أن يقوض أسس الديمقراطية ودولة الحق والقانون، المبنية على ثقة المجتمع في القضاء، ففي هذا السياق صدرت مدونة السلوك القضائي المعروف إختصارا بمبادئ بانغالور، والتي إعتمدت من طرف لجنة حقوق الإنسان بتاريخ 29 أبريل 2003 وتمت المصادقة عليها من طرف المجلس الاقتصادي والاجتماعي ECOSOC بموجب القرار رقم 23/2006 في يوليو 2006 وإلحقت كوثيقة أساسية ضمن وثائق القانون الدولي بإعتبارها تطويرا إضافيا وتكميلا للمبادئ الأساسية بشأن إستقلالية الجهاز القضائي المنصوص عليهما في قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 40/32 المؤرخ في 29 نوفمبر 1985 ورقم 40/146 المؤرخ في 13 ديسمبر 1985 واللذين أقرت فيهما الجمعية العامة المبادئ الأساسية بشأن إستقلال السلطة القضائية التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين الذي عقد في ميلانو من 26 أغسطس إلى 6 سبتمبر 1985.كما إعتبرت تكملة لقواعد القانون والسلوك الموجودة والملزمة للقضاة .
وبالنسبة للسياق الموريتاني، فإن الحاجة إلى صدور مدونة الأخلاقيات القضائية جاء بعد الحوار الوطني للإصلاح الشامل والعميق للعدالة، والذي تمخض عنه الوثيقة الوطنية لإصلاح وتطوير العدالة، وفي هذا الإطار يقول صاحب الفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في خطابه بمناسبة الذكرى ال65 لعيد الاستقلال الوطني: "… فكرسنا الفصل بين السلطات واستقلالية بعضها عن بعض، وعززنا منظومتنا العدلية عبر تنفيذ الوثيقة الوطنية لإصلاح وتطوير العدالة التي تتضمن إجراءات تعزز مكانة القضاء واستقلاليته، ونحن مصرون على تعزيز استقلالية القضاء وتحصينه في وجه المسلكيات التي قد تضر بصورته أو هيبته أو استقلاليته، ولا أدل على ذلك من العمل الجاري على تحيين مدونة أخلاقيات وسلوكيات القضاة وكتاب الضبط والمهن القانونية الأساسية" .
أحمد عبد الرحمن سيدن
محام سابق وقاض متخرج من المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء .

