
للحرب الإلكترونية حسنات وسيئات. فمن حسناتها بالنسبة للمدون أنها تتيح له أن يفرّغ ما في نفسه تجاه خصمه من مشاعر الحقد والكراهية، فينثرها عن بُعد بأقبح الألفاظ والعبارات دون خوف أو خجل، آمناً من بطشه، مما يورثه شعوراً بالراحة بعد أن تخلّص مما يختلج في صدره من شحناء عبر اللسان لا عبر اليد. ومن حسناتها أيضاً أنها تمنح صاحبها فرصة لتلميع اسمه داخل مجموعته، وكسب أصواتها، ليجعل منها سلماً يصعد به نحو المراكز الانتخابية، وربما إلى شهرة دولية يستقوي بها عند الحاجة ضد أي كان. فالدول الغنية ذات الأنظمة الديمقراطية، ومعها كثير من المنظمات الدولية، تميل إلى تجنيد الغوغائيين وأصحاب المصالح الضيقة ممن يملكون شعبية راكدة، لتجعل منهم منفذاً إلى بلدانهم، تُزعزع بهم أمن تلك الدول بحجج ذرائعية، تمهيداً لإشعال الحروب وخلق الأزمات، لتتحول أوطانهم إلى سوق رائجة لبيع السلاح والمواقف وغير ذلك.
وفي المقابل، فإن للحرب الإلكترونية سيئات خطيرة؛ فهي تبث الشقاق بين أبناء الوطن الواحد، وتُضعف روابطهم الدينية والوطنية والعرقية والتاريخية والمصلحية. وقد تتفاقم الشحناء لتبلغ مستوى المواجهة المباشرة التي تعصف بأمن الجميع وطمأنينتهم زمناً طويلاً، ويتوارثها الأبناء من بعد الآباء – لا قدّر الله – لتفضي في أسوأ أحوالها إلى تقسيم البلد إلى دويلات متناحرة، تصبح مسرحاً للتدخل الأجنبي والاستغلال، كما وقع لعدد من دول أشقائنا في إفريقيا.
أمّا بخصوص الإرث الإنساني موضوع الجدل القائم بين مدوني شعبنا اليوم، فأرى أنه ينبغي النظر إلى خلفية الوقائع وتاريخها. فإن كان الانقلابيون قد خضعوا لمحاكمة حقيقية قضت على بعضهم بالإعدام وعلى آخرين بأحكام متفاوتة بين السجن والبراءة، فعلينا أن نعدّ ذلك حكماً عادلاً وفق معايير العدالة المعروفة. أما إن كانت المحاكمة قد أعدمت الجميع دون تمييز أو تفريق، فحينها يجب علينا أن نعتبرها محاكمة صورية، ذات طابع عنصري إبادي، وأن نقف – جميعاً – صفاً واحداً للمطالبة بمعاقبة الفاعلين جنائياً، وتعويض ذوي الضحايا، دون أن نتيح لمترصدي الفتن وباحثي الفرص لإشعال حرب أهلية أن يجدوا مبتغاهم بيننا.
ذ/ د. محمد كوف
السيخ المصطفى العربي

