
كنتُ قد تتبعتُ ردودَ الحقوقيين الذين يحملون همَّ مآسي الإرث الإنساني على أسئلة الصحافة والمدونين، ولاحظتُ في إجاباتهم إجماعًا على أن ما يُسمّى بـ«مذبحة إنال» لم يكن للرئيس الموريتاني آنذاك أيُّ علمٍ بها، وأنه فور اطلاعه عليها شكّل لجنةً يرأسها عسكريٌّ رفيع من أبناء عمومة الضحايا. وعندما رُفع تقرير اللجنة إلى الرئيس معاوية، أمر بالإفراج عن كافة المتهمين بالانقلاب على نظامه في تلك القضية، كما دفع تعويضات مالية كبيرة جبرًا لخواطر ذوي القتلى.
وأضافوا أن جميع الرؤساء الذين تعاقبوا من بعده قد اعتذروا وعوّضوا ذوي قتلى إنال، بمعنى أن هؤلاء عُوِّضوا خمس مرات عمّا لحقهم، رحم الله سلفهم وبارك لهم في الخلف. وهذه الحقيقة لم يُنكرها أيٌّ من حَمَلة هذا المشعل الإرثي، رغم الأسئلة المباشرة التي وجّهتها إليهم الصحافة والمدونون حول مدى صحة هذه النقطة بالذات.
فمن أين، إذًا، جاء خللُ السلطات الحاكمة، ما دامت المذبحة في أصلها محلَّ نفي، والمتهمون بها مجهولون، والرئيس لم يكن على علم بها؟ وعلى افتراض أنها مجرد إشاعة، فقد رتّب عليها الرئيس عفوًا شاملًا وتعويضًا سخيًّا أصبح، فيما يبدو، تقليدًا متّبعًا لدى جميع الرؤساء من بعده.
شعبَنا العزيز، عليكم أن تتصارحوا بحسن نية، وأن تلتفتوا إلى مآسي وطنكم التي تسببت فيها «الديمقراطية العسكرية» التي كانت أسوأ من كل دكتاتورية في العالم أجمع، حين حشرت مجتمعنا في مستنقع تفوح منه رائحة الشوفينية القومية، والجهوية البغيضة، والقبلية الجاهلية. وبذلك ألبستنا ثوب دولة بالٍ تتعرّى منه سوءاتها المنفّرة، بدل دولة عصرية مركّبة من قوميات تزهو بألوانها المختلفة كقوس قزح، متعايشة، توحّدها وشائج الإسلام، والوطنية، والقربى، والتعايش السلمي.
ومن المعلوم أن الدول المركّبة تجمع فصائل لا حصر لها، لكلٍّ منها خصائص وأنماط بشرية مختلفة، وهو ما لا يتوفر في الدولة البسيطة المعتمدة على جنس بشري واحد، وأعتقد أن هذه الأخيرة لم يعد لها مكان في عالم اليوم.
ولنتفق، شعبَنا العزيز، على هدف واحد يؤدّي إلى العودة إلى النظام المدني الديمقراطي، الذي أثبتت الصيرورة والسيرورة الزمنية أنه سبب التقدم والرقي الوحيد، وأن نقيضه هو اتباع هوى الحاكم الدكتاتوري، المؤدي إلى التفرقة والتهلكة.
ومن الملاحظ أن عزم فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد الشيخ الغزواني، ينحو نحو مزيد من المدنية ودمقرطة النظام، وعلينا جميعًا أن ندعمه في ذلك قولًا وفعلًا، للوصول إلى هذا الهدف.
ذ/د محمد كوف الشيخ المصطفى العربي

