
أكدت حصيلة عمل ونشاط المحكمة المتخصصة لمحاربة العبودية والاتجار بالأشخاص و تهريب المهاجرين - بعد ما يقارب عام على إنشائها - نجاحا على المستويات الوطنية و الاقليمية والدولية، وذلك من خلال أحكامها وقراراتها الرادعة. وهو ما يحقق في حد ذاته دعما لا يستهان به لعمل المؤسسات القضائية في الوطن، وتعزيزا لبناء الثقة فيها، وفي استقلاليتها، بدلا من التشكيك في نزاهتها أو إضعاف ثقة المواطنين في المسار العدلي الذي يشهد عملية تطوير مستمرة.
ولعله من نافلة القول ونحن على أعتاب السنة القضائية الجديدة أن نقدم جُمله من الملاحظات، لأداء هذه المحكمة في مجال التصدي ومعالجة قضايا نُشرت أمامها في مجال العبودية والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، يمكن تقييمها بهذه المناسبة، التي درجت العادة على أن تكون فرصة لتقييم أداء ونشاط التشكيلات القضائية المختلفة وأداء طواقهما من القضاة وأعوانهم. إذ يمكن الإشارة إلى النقاط التالية:
● أولا/ تعبر تشكلة المحكمة ممثلة في رئيسها – مع وعيها بحجم المسؤولية - عن كامل اعتزازها على اختيارها كأول طاقم يقوم بإدارة المحكمة الوليدة الأولى من نوعها في منظومتنا القضائية بل وفي المنطقة التي تُعني بقضايا العبودية والاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين؛
● ثانيا/ تثمٍّن الثقة العالية التي غمر بها المجلس الأعلى للقضاء، تعيين طواقمها و رئيسها و عن ما يترتب عن هذا الإختيار من مسؤولية، تقدر فتشكر ،في أخذ جميع قراراتها وأحكامها؛
● ثالثا/ تؤكد على التقدير التام لاحترام استقلالية المحكمة من قبل مختلف الجهات العليا وبشكل خاص رئيس المجلس الأعلى للقضاء، فخامة رئيس الجمهورية، القاضي الأول، ومعالي وزير العدل ورئيس المحكمة العليا والمدعي العام لدى المحكمة العليا، حيث نؤكد عدم تسجيل أي تدخل من الجهات السامية في هرم السلطتين التنفيذية والقضائية، في عمل المحكمة قصد التأثير أو الضغط على قرارات هذه المحكمة الناشئة ذات الاختصاص الوطني؛
● رابعا/ نفتخر في المحكمة على أن نشاطها الذي ظل طيلة سنة كان محل تقييم دائم ومستمر على مختلف المستويات الوطنية والدولية، ومحل إشادة وتقدير مطلق دون تسجيل ملاحظات سلبية تذكر؛
● خامسا/ ندعو باسم المحكمة التأكيد على تكريس احترام أحكامها وقراراتها الرادعة والتي ساهمت بما لا مجال فيه لشك كما وكيفا، في تحقيق الردع و نشر العدالة
على أن تكون أحكام هذه المحكمة أحكاماً نهائية على النحو الذي يحترم تعاليم ديننا الحنيف الذي يقوم على أساس أن مسؤولية حكم القاضي لا تتجزء و دستور البلاد الذي هو أسمى قانون وأعلى رتبة، يؤكد أن الشريعة هي المصدر الوحيد للقانون، وفي هذا التوجه التشريعي تُفهم مسؤولية رئيس المحكمة في اتخاذه للقرارات والأحكام بمقتضى القانون رقم 039/2025 المنشئ للمحكمة المتخصصة.
وتولد الحاجة الماسة من كونها الجهة المتخصصة الوحيدة في مجال اختصاصها وعلى أنه من خلال ممارسة العمل القضائي يتضح غالبا عدم التطابق بين عمل هذه المحكمة مع الغرف الجزائية الاعلي درجة منها….)؛ بينما السياسة الجنائية واضحة وجلية وهي تقديم النزعة التخصصية للمحكمة في المقام الأول نظرا لما يترتب عليها من ضمانات على المستويين الداخلي والدولي؛
● سادسا / نشير على أن هذه المحكمة قد قامت على أنقاض ثلاث محاكم في منظومتنا القضائية ظلت تعمل طيلة تسعة سنوات في قضايا العبودية والممارسات الاسترقاقية، وقد تم إدماجها منذ عام، بمقتضى القانون رقم: 039/2025 حيث أصبحت تضم اختصاصها قضائيا كما تُعني وتتقاطع جميعها في تكريس إحترام كرامة الإنسان : فبالاضافة للعبودية، الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين؛
● سابعا / ننوه على أنه بالإضافة لسياسة الرّدع و احترام قواعد حقوق الإنسان الملزمة في المنظومة القانونية الوطنية التي أرست المحكمة تكريسها؛ فإن صورتها إيجابية للقضاء وللوطن عموما وذلك من عدة جوانب؛ فقد أشادت الجامعة العربية في احد مؤتمراتها الخاص بالاتجار بالأشخاص بأحد قراراتها واعتبرته (بحكم مبدئي يشرف القضاء الموريتاني والمنظومة القضائية لدول الجامعة العربية في مجال التصدي لقضايا الاتجار بالأشخاص ،إذ فضلا لما يتضمن، يقوم على مقاربة القانون المقارن، الشريعة والقانون الوضعي). كما أشادت بعملها اللجنة الأممية في مجال الهجرة وحقوق عمال اللاجئين و حقوق الإنسان بجنيف خلال دوراتها الأخيرة؛ وبدوره، أشاد المقرر الأممي المختص بشؤون اللاجئين وحقوق الإنسان بعمل المحكمة في ظرف قياسي؛ بالإضافة لشركاء البلاد (الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية…) نوّهوا كل من موقعه بدور المحكمة الإيجابي في تعزيز حماية الحقوق على المستوي القضائي؛
● ثامنا/ نؤكد على أن الحصيلة النهائية للمحكمة المتخصصة مع نهاية سنتها القضائية الأولى ما مجموعه 205 ملفا تمت معالجتها وإجراء تحقيقات تكميلية في بعضها ثم البت وإصدار أحكام فيها، وتم إرجاء البت في عشرة ولم يعد في عهدة المحكمة ما عدا عشرة ملفات وَرَدت مؤخراً، سيتم البت فيها في دورات مقبلة؛
كما نشير إلى أن المداخيل المتعلقة بالغرامات المستخلصة من الأحكام بلغت 2278000 أوقية ، والمداخيل المتعلقة بالأصلاح الجزائية بلغت 3197000 أوقية ، هذا جنبا عن الغرامات والمصادرات المحكوم بها في الدورتين الأخيرتين (انواذيبو وانواكشوط) التي وصلت ما تجاوز مائة مليون أوقية قديمة ، لكونها مازالت قيد آجال الطعن.
● تاسعا/نشير إلى ضرورة مركزية عمل النيابة لدي وكالة الجمهورية لدي المحكمة لضبط العمل علي مستوي عموم التراب الوطني بالشكل المناسب، وبمايخدم السياسة الجنائية التي تقوم عليها ،ولبسط سلطتها على الملفات و تقديم الإجراءات و التحقيقات الجنائية المطلوبة و متابعة الملفات التي بها متهمون في حالة حرية وضمان حضورهم للجلسات.
● عاشرا/ نشير الى أن المحكمة المتخصصة - في سبيل تنفيذ الأمانة التي أسندت إليها على أكمل وجه - فقد اكتسبت عداوات من مختلف المستويات و لكنها في المقابل أكسبت القضاء هيبته ونجاعة أحكامه ،كما تعتز بأنها كسِبتْ أهم رهان، والذي هو حماية وتحقيق العدالة لجميع المتقاضين على حد السواء أمامها في جميع الملفات التي تم البت فيها.
والخلاصة، يتجدد السؤال الأبرز، هل سيتواصل تعزيز وتيرة المقاربة القضائية من خلال تعزيز دور هذه المحكمة، أم ستتراجع وفق تصدر المشهد القضائي في الأفق لسياسة جنائية جديدة !!؟
القاضي/ الشيخ سيدي محمد شينه رئيس المحكمة المتخصصة لمحاربة العبودية والاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين


