القائد الذي يرى بأعين الآخرين ليس قادرا على قيادة دولة

القائد الذي يرى بأعين الآخرين ليس قادرا على قيادة دولة
ينسب هذا القول الحكيم إلى نابليون بونابرت، ويتجسد اليوم في مقارنة بسيطة بين القائد الرمز وخليفته، فإذا كان القائد لم ينتظر حتى تصله الأخبار من غيره بعد أن يموت الناس وتعلوا أصوات مؤبنيهم، حتى يتحرك إلى مستشفى، او مستوصف، أو إدارة أو قطاع أو غير ذلك من المؤسسات التي حفل تاريخ حكم القائد بزياراتها المفاجئة حتى دبت الحياة وكأن القائد هو الذي يقوم بكل شيء. وكأنه هو الممرض وهو المخدر وهو الطبيب، كأنه مستشفى بحاله بأطقمه، بينما لم يزر ذلك المستشفى إلا مرة واحدة وبصورة مفاجئة وبوجه عبوس وعينان محمرتان ينظر من خلالهما إلى كل عامل وكأنه يقول "ويحك مني إن لم تقم بواجبك".
ذلك هو الفرق بين القائد الذي يرى بأم عينه، و القائد الذي يرى بعيني غيره.
إذا كان القائد كذلك طيلة حكمه، أفلا يكون شجاعا في مواجهة كل هؤلاء الذين يتربصون به الدوائر من كل صوب وحدب، من ساسة فاسدين، وأعوان متخاذلين حتى لا أقول خائنين، ومن أصحاب منافع طامعين ومتربصين.
لقد واجههم جميعا حين كان عسكريا يحمل النياشين، فخاطب الناس وعلمهم أن لا يخشوا إلا الله، فكان له ما أراد من محبة وقرب إليهم، ذلك النصر المبين الذي تحقق في أيام مشهودة معلومة كان كل الناس فيها يهتفون باسم القائد وكان كل الرهط والمتربصين يطأطئون رؤوسهم خوفا وطمعا من هذا الرجل المحبوب المحبب الشجاع الجريء القوي الظاهر والمنقلب على كل الأنساق القديمة.
و رغم أنهم حاولوا بكل الوسائل والطرق لا بل إنهم لم يفوتوا فرصة إلا وغمزوا وهمزوا ولمزوا فيه وفي عمله وفي حكمه ونظامه وقراراته رغم تطبيقهم لها حرفيا، رغم كل ذلك بقي شامخا رافع الرأس منتصرا وظلوا هم كما هم أعينهم إلى التراب كلما مر بواحد منهم أو نظر إليه، ولسان حاله يكرر ابيات المتنبي :
كم تطلبون لنا عيبًا فيعجزكم ** ويكره الله ما تأتون والكرم
ما أبعد العيب والنقصان عن شرفي ** أنا الثريا وذان الشيب والهرم
فلما أراد أن يخرج من الحكم، تداعوا إليه جميعا بخبث لا ينكر عليهم، وكذب ونفاق ليس بالجديد على نفوسهم السقيمة ووجوههم الدامسة وكلامهم العسلي المسموم ، يهتفون بحمده ويسبحون وينشدون بقاءه خالدا في الحكم لعلهم يحظون عنده بما لم يحظوا به يوما من أيام التاريخ المجيد التي سطرها على ظهورهم وفوق جباههم عنوة لعلهم من مكرهم يتوبون، لما أراد أن يخرج نادوا به مقسمين باللات والعزى ومناة الثالثة لتبقين عزيزنا ومليكنا وسلطاننا وإنا لنبايعك على السمع والطاعة ما حيينا، فقبلك لم يكن سلطان فينا ، وبعدك نخشى ـ والدموع من عيونهم تسيل ـ أن نفتن فتفسد الأرض ويحكمنا من لا قِبَلَ له بالحكم، كم من صادق و قوله الكذب.
فما كان من جوابه إلا ما سطره الشاعر ابي فراس الحمداني :
أَرى الغِلَّ مِن تَحتِ النِفاقِ وَأَجتَني * مِنَ العَسَلِ الماذِيَّ سُمَّ الأَساوِدِ
لم يكترث القائد لكل ذلك، لكل تلك الدموع، دموع التماسيح، ولم ينظر إلى أصحابها، وترك القرار في يده يتخذه بحزم وصلابة وقوة، ميمنا شطره نحو خليله، تماما كما فعلها في العام 2008، حين استدعاه على عجل، واحتضنه وصنع منه قائدا لأركان جيوشه، ومكنه من خزائن تلك الجيوش ومكنه من كل ما يريد وكل ما يرغب، ذلك الخليل الذي لم يكن يوما يتصور أنه سيكون الخليفة المختار، ولم يكن حتى يحلم بأكثر من أن يسير خلف القائد يوم تخليه عن السلطة طواعية، بل أكثر من ذلك كان من أكثر من سعوا إلى بقاءه فيها مخافة تلك اللحظة المرعبة التي تسمع فيها خطاه خلف القائد خارجا من بوابة القصر المهيب.
ذلك القصر الذي لم يكن قبل القائد ذا صيت ولم يسمع به أكثر من جيرانه الذين اكتووا بنار المعارك الضارية التي تسير رحاها بالقرب منه كلما هم رجل بالهيمنة عليه. فلا ينامون ملء جفونهم خوفا من أن يتكرر ذلك المشهد المأساوي الذي عشناه كلنا كموريتانيين بتفاصيله المرعبة يوم هم جنود صغار، بالغدر بساكن القصر بتهور دون أن يعوا مخاطر مجابهة قائد شجاع لما بعد يظهر ينتظرهم عند كل زاوية وفي كل ركن من أركان ذلك القصر الذي كاد يقع بين أيديهم لولاه.
تلك حقائق يرفض المكابرون اليوم الاعتراف بها، معلقين شماعتهم على الظنون التي بنيت عليها ملفات لم يكن الهدف منها سوى تخويف القائد وردعه وصده عما يسعى إليه.
ختاما كم كانت تلك الكلمات صادقة ومعبرة وملموسة ومحسوسة وموجودة ومتفق عليها، "قررت وللقرار عندي معناه"، لم يكن القائد يوما إلا كما سطر في أول ما بدأ به تدوينته الأخيرة التي بعث بها إلى الأمة الموريتانية العظمية المجيدة التي يؤمن بها إيمانا صادقا ويحفظ لها العهد دون حاجة لمراء أو تصنع أو تكلف.
محمد فاضل الهادي

أربعاء, 02/06/2021 - 09:09