قراءة تحليلية في بعض قرارات الغرفة المدنية والاجتماعية الثانية: الملف رقم 106/2022 نموذجًا

إن القرارات القضائية، إذا صدرت بناءً على التطبيق السليم للقانون، يجب التسليم بها احتراماً لهيبة القضاء واستقرار المعاملات. أما إن تأسست على اجتهاد قضائي غير موفق، فيبقى باب العذر مفتوحاً، خاصة في القضايا المدنية، ما دام القاضي قد عمل في حدود سلطته التقديرية. لكن حينما تصدر قرارات تُخالف نصوصاً قطعية الورود والدلالة، أو تُعرض عن وثائق جوهرية ذات أثر حاسم، فإن من المشروع قانوناً ووطنياً الاعتراض عليها، بصفتها مجانبة لصحيح القانون.

وقد وقعت في ملفنا – المعروض أمام الغرفة المدنية والاجتماعية الثانية بالمحكمة العليا – جملة من الاختلالات التي نرى لزاماً التنبيه عليها، التزاماً بواجبنا كمحامين، وحرصاً على سلامة المنظومة القضائية.

أولاً: قرار تعليق التنفيذ صدر في هذا الملف قرار بتعليق التنفيذ، رغم أن النصوص لا تجيز تعليقاً مستقلاً بعد مضي الأجل القانوني، وفقاً للمادة 206 من مدونة الإجراءات. وبعد مضي ستة أشهر دون حسم الملف، تقدمنا بطلب التنفيذ، غير أن رئيس الغرفة أصدر قراراً بمواصلة تعليق التنفيذ، وهو قرار نراه مجانباً لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة ذاتها، التي تمنع منح وقف جديد في مثل هذه الحالة.

ثانياً: قرار النقض المبني على وقائع غير دقيقة عند نظر الغرفة في أصل الدعوى، لم تجد ما يُبرر نقض القرار المعروض استناداً إلى المادة 204 من نفس المدونة، فعمدت إلى تعليله على وقائع نراها غير ثابتة في الملف، بل متناقضة مع مستنداته، وهو ما دفعنا إلى استعمال حقنا القانوني في الرجوع عن القرار، وتقديم طلب تنحية لرئيس التشكلة، عملاً بالمادة 197 وما بعدها.

ثالثاً: الإصرار على تعليل غير دقيق في مسألة الملكية عادت الغرفة للنظر في الملف، فرجعت عن بعض تعليلاتها السابقة، غير أنها تمسكت بتعليل نراه غير صائب، مفاده أن الحكم أضاف الملكية لأحد الأطراف دون طلب صريح بذلك، بينما وقائع الملف ومستنداته تثبت أن الطرفين قد أسسا دعواهما على ادعاء التملك، ما يجعل الملكية محل النزاع، وبالتالي من صميم اختصاص القاضي حسمها. فالقاضي لا يَحتج عليه بعدم طلب الملكية متى كانت مناط الفصل.

وإننا – في ضوء ما سبق – نؤكد أن حق الطعن والاعتراض على هذه القرارات مكفول، وسنمارسه بكل الوسائل القانونية المتاحة، بما فيها مخاطبة المؤسسات الرقابية المعنية بمتابعة حسن سير العدالة. كما نلتمس المؤازرة من زملائنا في الهيئة الوطنية للمحامين، ومن النقباء السابقين المعروفين بتاريخهم في الذود عن استقلال القضاء، إيماناً بأن إصلاح القضاء مسؤولية جماعية.

ونؤكد ختاماً: لا أحد فوق القانون، وإن حماية مؤسسة القضاء لا تكون إلا بمساءلة من يمارس السلطة فيها إن أخطأ، وفقاً للقانون، وبوسائل دستورية سليمة.
قال تعالى: "قل رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون".

الدكتور: أحمد معلوم بن أعمر
أستاذ التعليم العالي
محامٍ معتمد لدى المحاكم

سبت, 14/06/2025 - 15:08