
في خطوة استراتيجية تجسد توجه الدولة نحو ترسيخ أسس التنمية المستدامة وتعزيز الاكتفاء الذاتي الغذائي، شهدت مباني وزارة الاقتصاد والمالية اليوم حفل توقيع عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص المتعلقة بمشروع المركب الزراعي الصناعي لإنتاج السكر في منطقة فم لگليته. ويعد هذا المشروع أحد أبرز المشاريع التنموية ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي في موريتانيا.
وجرى التوقيع تحت إشراف وزير الاقتصاد والمالية سيد أحمد ولد ابوه، و وزير الزراعة والسيادة الغذائية أمم بيباته، في محفل رسمي يحاول تجسيد التزام الدولة بالتحول نحو اقتصاد إنتاجي يستفيد من ثروات البلاد الطبيعية ويضعها في خدمة التنمية والنمو الاقتصادي.
وقع العقد من جانب الحكومة كل من وزير الاقتصاد والمالية، ووزير الزراعة والسيادة الغذائية، بالإضافة إلى الإداري المدير العام للشركة الموريتانية للسكر ومشتقاته، السيد محمد تقي الله ولد الشيخ بوي.
أما من جانب الشريك من القطاع الخاص، المتمثل في الشركة الوطنية للسكر (SNS)، فقد وقع العقد المدير العام للمجموعة السيد أشرف إبراهيم أحمد بخيت.
مشروع استراتيجي
يمثل المشروع بشكله ومضمونه نقطة تحول محورية في قطاعي الزراعة والصناعة الغذائية بموريتانيا. ففي مرحلته الأولى وحدها، يتوقع أن يغطي ما نسبته 63% من احتياجات البلد من مادة السكر، وهو ما من شأنه أن يخفف من فاتورة الواردات، ويعزز من قدرة الدولة على تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي في واحدة من أكثر المواد الاستهلاكية أهمية.
إلى جانب ما يحمله من مردود اقتصادي، يبرز المشروع أيضًا بوصفه محورًا لخلق فرص العمل، حيث سيوفر الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، بما يساهم في التخفيف من البطالة، خاصة في المناطق الداخلية. وسيسهم انتشار سلاسل القيمة المرتبطة بصناعة السكر ومشتقاته في تحفيز نمو قطاع المقاولات الصغيرة والمتوسطة، ورفع حجم المساهمة المحلية في الاقتصاد.
الشراكة بين القطاعين العام والخاص
يعكس المشروع كذلك تحولا جوهرياً في أدوار القطاعين العام والخاص، حيث بات واضحاً أن الرهان على شراكات استراتيجية بين الطرفين هو السبيل الأمثل لتنفيذ مشاريع بنية تحتية وزراعية معقدة بهذا الحجم فالدولة تؤمّن البيئة التنظيمية والدعم المؤسسي، في حين يجلب القطاع الخاص خبرته الفنية واستثمارات، ما يزيد فرص نجاح المشروع واستدامته.
مركب فم لگليته
اختيار فم لگليته كموقع لهذا المركب الزراعي الصناعي لم يكن اعتباطيًا؛ فالمنطقة تعتبر من أغنى المناطق الزراعية بالمياه والتربة الخصبة، ما يجعلها مؤهلة لتكون قطبًا زراعيًا جديدًا في البلاد. كما أن توطين المشروع في الداخل يحمل بعدًا تنمويًا متكاملًا، يعزز من توازن التنمية بين العاصمة والمناطق الداخلية. يضع هذا التوقيع حجر الأساس لمسار طويل يجعل من موريتانيا بلدًا منتجًا للسكر ومشتقاته، لا مجرد مستورد لها. إن مشروع مركب فم لگليته ليس مجرد مصنع لإنتاج السكر، بل هو رافعة حقيقية لتحول هيكلي على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، واستثمار واضح في الإنسان والتراب الوطني، وتجسيد فعلي لفعل تنموي يتجاوز الأقوال والشعارات في حال تم تجسيد هذه الاستراتيجية على أرض الواقع.

