أمريكا وخرق الشرعية الدولية: من منع الوفد الفلسطيني إلى تقويض الأمم المتحدة/المحامي نحن عبدالله

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في مشهد جديد يفضح ازدواجية المعايير، أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على منع الوفد الفلسطيني من الحصول على تأشيرات الدخول، وذلك لحرمانه من حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. هذه الخطوة لا تشكل مجرد إجراء إداري، بل هي اعتداء مباشر على ميثاق الأمم المتحدة، وخرق صريح لاتفاقية مقر المنظمة الدولية الموقعة عام 1947، والتي تلزم الدولة المضيفة بعدم عرقلة وصول أي وفد رسمي إلى الاجتماعات الأممية.
وليس الأمر سابقة معزولة؛ ففي ثمانينيات القرن الماضي منعت واشنطن الرئيس الراحل ياسر عرفات من الحضور، مما اضطر المجتمع الدولي إلى نقل الاجتماع إلى جنيف. اليوم، يعيد التاريخ نفسه بصورة أكثر فجاجة، إذ تحولت واشنطن من مجرد منحاز إلى إسرائيل إلى شريك أصيل في مشروع الاحتلال والإبادة، مستخدمة مقر الأمم المتحدة في نيويورك سلاحًا دبلوماسيًا لإخضاع الخصوم وفرض إرادتها السياسية.

إن خطورة هذا السلوك تتجاوز القضية الفلسطينية وحدها، فهي تمس بمكانة الأمم المتحدة ومصداقيتها كمنظمة يفترض فيها الحياد والاستقلال. فإذا استطاعت الولايات المتحدة أن تمنع وفودًا لا ترضيها، فما الذي يمنعها من استهداف وفود أخرى من آسيا، أو إفريقيا، أو حتى أوروبا الشرقية؟ ألن يتحول مقر المنظمة الأممية عندها إلى مجرد أداة ابتزاز سياسي بيد قوة عظمى واحدة؟

هذه السابقة تعيد طرح سؤال وجودي على المجتمع الدولي: هل من المجدي الاستمرار في إبقاء مقر المنظمة الدولية في الولايات المتحدة، وهي الدولة الأكثر انتهاكًا للقانون الدولي؟ أليس من الأجدر التفكير في نقل المقر إلى دولة أكثر حيادًا ومصداقية، بما يحفظ للأمم المتحدة رمزيتها وفاعليتها؟

إن العرب والمسلمين، بل وسائر دول الجنوب العالمي، ينبغي أن يعوا أن الولايات المتحدة لم تنتصر يومًا في حرب عادلة، لكنها أغرقت العالم بالدمار من فيتنام إلى الصومال، ومن أفغانستان إلى العراق. إنها الدولة الوحيدة التي قصفت شعوبًا بالسلاح النووي، وصنعت الإرهاب ثم روجت لمحاربته، بينما بقيت إسرائيل بمنأى عن أي عقاب أو محاسبة. الحقيقة التي باتت جلية هي أن القرار الأمريكي مرتهن للوبي الصهيوني والدولة العميقة اليهودية التي تتحكم بمفاصل السلطة هناك، ولهذا تتشابه السياسات الخارجية الأمريكية في عدائها للعرب والمسلمين، بغض النظر عن تغير الإدارات أو تبدل الرؤساء.

مقترحات وحلول عملية للخروج من العباءة الأمريكية
إن استمرار الرهان على الولايات المتحدة ضرب من الوهم، ولا بد من الانتقال إلى مرحلة الفعل الاستراتيجي. وفي هذا السياق، يمكن اقتراح جملة من الحلول العملية:

1. إعلان دولة فلسطين بشكل أحادي وملزم من طرف الدول العربية والإسلامية، مع السعي لانتزاع اعتراف أوسع من دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا، بما يخلق واقعًا قانونيًا ودبلوماسيًا جديدًا.

2. مقاطعة الولايات المتحدة سياسيًا ودبلوماسيًا عبر تخفيض مستوى التمثيل أو استدعاء السفراء للتشاور، لإرسال رسالة واضحة بأن التبعية السياسية لم تعد مقبولة.

3. التعاون مع دول قوية ذات مصداقية مثل روسيا، الصين، جنوب إفريقيا، والبرازيل، لبناء تحالفات دولية موازنة تردع الولايات المتحدة عن الانفراد بالقرار الدولي.

4. مقاضاة بريطانيا أمام المحاكم الدولية على جريمتها التاريخية المتمثلة في تسليم أرض فلسطين لليهود بموجب وعد بلفور وسياسات الانتداب، باعتبارها مسؤولية استعمارية لم تسقط بالتقادم.

5. إعادة طرح ملف نقل مقر الأمم المتحدة إلى عاصمة أخرى محايدة، أو على الأقل المطالبة بإيجاد آلية بديلة تضمن عدم خضوع الوفود الرسمية لابتزاز الدولة المضيفة.

6. تعزيز أدوات المقاطعة الاقتصادية والثقافية للولايات المتحدة وإسرائيل، بما في ذلك الاستثمار في بدائل تكنولوجية وتجارية مع شركاء دوليين آخرين، ما يقلل من الهيمنة الأمريكية.

7. تفعيل مبدأ وحدة الصف العربي والإسلامي من خلال مواقف مشتركة في المحافل الدولية، وعدم ترك القضية الفلسطينية رهينة تفاوضات عبثية ترعاها واشنطن.

إن هذه الخطوات، وإن بدت صعبة، تشكل السبيل الوحيد لاستعادة شيء من الاستقلالية السياسية، وفرض الإرادة الجماعية للعرب والمسلمين داخل النظام الدولي. وما لم يتحرك العرب لمراجعة علاقاتهم وقطع التبعية السياسية، فلن يكون لهم نصيب من احترام القانون الدولي، ولا حتى من التاريخ.

اثنين, 01/09/2025 - 20:28