
كنت قد تناولت في مقال سابق خطورة ما يروج له في بعض الأوساط من أحاديث ومناورات مبكرة حول خلافة فخامة رئيس الجمهورية، وحذرت يومها من تأثيرها على استقرار البلاد وتماسك الأغلبية الحاكمة. واليوم أجدني مضطرا للعودة إلى هذا الموضوع مجددا، بعدما عاد بقوة إلى واجهة النقاش، وأصبح مادة متداولة ليس فقط بين خصوم النظام، بل حتى في صفوف بعض أنصاره، إلى درجة دفعت شخصيات مركزية في السلطة إلى التعليق عليه.
يأتي ذلك في وقت يمارس فيه رئيس الجمهورية مهامه بكامل الجدية والمسؤولية، مستهلا عامه الثاني من مأموريته، ساهرا على تنفيذ برنامجه الطموح لحماية مصالح البلاد وتعزيز التنمية. ومع ذلك، لا تزال بعض الأصوات تفتعل سباقا مبكرا حول خلافته، وكأن البلاد أنهت استحقاقاتها الحالية وتتهيأ لانتخابات جديدة.
إن هذا السلوك ليس مجرد اجتهاد سياسي عابر، بل تصرف مشين وغير أخلاقي ومناف لأبسط قواعد الديمقراطية. فالديمقراطية تعني احترام الشرعية الدستورية والفترة الانتخابية المقررة، وتمكين الرئيس المنتخب من تنفيذ برنامجه دون تشويش أو تعطيل. أما اختلاق معركة خلافة في بداية المأمورية، فهو استباق لإرادة الشعب، ونسف لفلسفة التداول السلمي الذي يفترض أن يتم في مواعيده المحددة.
الهدف الحقيقي من هذه الشائعات لا يمكن أن يكون بريئا. فإشاعة التنافس داخل الأغلبية الحاكمة ليست سوى محاولة لزرع الشكوك بين مكوناتها، وإضعاف ثقة القيادة فى بعض الشخصيات المقربة منها. وأعداء النظام يعرفون أن تماسك الصف الحاكم هو مصدر قوته، فيسعون إلى تفكيكه عبر تسريب قصص متخيلة وفتح شهية الطامحين لمناصب مستقبلية.
المؤسف أن بعض أنصار النظام انجرفوا، عن حسن نية ربما ، إلى هذا التيار، فصاروا يتداولون هذه الأخبار وكأنها جزء من النقاش السياسي الطبيعي، في حين أنها مجرد أدوات لإرباك الساحة وتشتيت الجهود. إن الانشغال بمثل هذه المعارك الوهمية يمنح خصوم الاستقرار فرصة ذهبية لإضعاف المشروع الوطني الذي يقوده فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني
إن الواجب الوطني اليوم يفرض على جميع الأطراف – موالاة ومعارضة – الترفع عن هذه المزايدات، والالتفاف حول برنامج التنمية الذي أطلقه رئيس الجمهورية. فالأولوية القصوى هي إنجاز المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، لا الانشغال بسباق رئاسي سابق لأوانه.
إن التنافس السياسي مرحب به حين يحين أوانه الدستوري، أما استباقه في مرحلة مبكرة من المأمورية فهو عبث يهدد وحدة الصف الوطني. فلنترك للرئيس الوقت الكافي لتنفيذ تعهداته، ولنصطف جميعا خلف مشروع بناء الدولة، لأن نجاح هذه المرحلة هو الضمان الحقيقي لديمقراطية ناضجة وتداول سلمي على السلطة في مواعيده الشرعية.