إصلاح التوثيق لمحاربة الفساد

 

يشكل إصلاح مرفق التوثيق باعتباره مهنة قانونية منظمة يُمارسها الموثق بصفته صاحب اختصاص ذي طبيعة عمومية تضفي على العقود الرسمية قوةً ثبوتية رفيعة لا يُجوز دحضها إلا عن طريق التزوير، ركيزةً محورية في مسار تخليق الحياة العامة وترسيخ مرتكزات دولة الحق والقانون. فمكاتب التوثيق يعتقد البعض للأسف الشديد أنها مجرد آلية شكلية لإفراغ التصرفات في محررات، ولك في حقيقة الأمر أنها جهاز وقائي أصيل يُسهم في حماية النظام العام التعاقدي، وضمان استقرار الحقوق والمراكز القانونية، وإرساء الثقة في المعاملات المدنية والتجارية والاستثمارية.

إن مكانة التوثيق بما له من حجية رسمية وقوة تنظيمية، تجعل تحديث هذه المهنة العريقة عالمياً وتأهيلها المؤسسي والرقمي ضرورة حتمية لمواكبة الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة بصورة عامة ، وتعزيز الشفافية في المعاملات ، وتوفير مناخ قانوني آمن وجاذب للاستثمار. كما أن الارتقاء بوظيفة الموثق، باعتباره فاعلاً وقائياً قبل النزاع، يسهم بصورة مباشرة في تخفيف العبء عن المحاكم عبر الحد من المنازعات الناشئة عن العقود غير المضبوطة، وترسيخ الأمن التعاقدي كأحد أهم مقومات الثقة في الاقتصاد الوطني.

وتفرض متطلبات الحكامة والرقمنة وسيادة القانون تعزيز آليات المراقبة والمسؤولية المهنية، وتوحيد المساطر و تبسيط الإجراءات ، وضمان الشمول التوثيقي و تحقيق الشفافية، بما يعزز مكانة الموثق كضامن لحجية العقد ونزاهة المعاملة، ويُغلق جميع منافذ و أبواب التلاعب والفساد، ويُحكم حماية الثروة العقارية والمالية للدولة والأفراد. 

وعلى هذا الأساس فإن إصلاح قطاع التوثيق يحتاج إلى مزيد من العمل حتى يصير ورشاً مهنياً قطاعياً، لبناء منظومة قانونية متماسكة قوامها الثقة، والفعالية، والأمن التعاقدي، وسيادة القانون.
الاستاذ محمد ولد حويه
مستشار رئيس الهيئة الوطنية للموثقين ورئيس نقابة الموثقين المساعدين

ثلاثاء, 21/10/2025 - 12:09