من الرغبة في المعرفة إلى الرغبة في التعلّم

 

المعرفةُ تجذبُ الإنسان، لكنَّ التعلّم هو الذي يُغيِّره.
فـ الرغبة في المعرفة هي ميلٌ فطريٌّ إلى الفهم والاكتشاف، أما الرغبة في التعلّم فهي التزامٌ واعٍ، وجهدٌ متواصل لتحويل الفضول إلى كفاءة، والمعلومة إلى مهارةٍ حيّة.

 1. الرغبة في المعرفة: شرارة الفطرة

كل إنسان يولدُ وفي داخله توقٌ طبيعي إلى معرفة العالم من حوله.
الطفل الذي يكثر من الأسئلة إنما يُعبّر عن هذه الفطرة الأولى في البحث والاكتشاف.
لكن هذه الرغبة، إن لم تجد بيئةً محفِّزةً ومعلّمًا مُلهِمًا، فإنها تضعف وتذبل.
فالمعرفة وحدها، إذا بقيت حبيسةَ الكتب والمفاهيم، قد تتحوّل إلى تكديسٍ للمعلومات بلا أثرٍ فعليٍّ في السلوك أو العمل.

 2. الرغبة في التعلّم: إرادة التغيير

التعلّم لا يعني أن “تعرف أكثر”، بل أن “تصبح أفضل”.
إنه مسارٌ يتطلّب الجهد والمثابرة والاستعداد للمراجعة الدائمة.
فـ الرغبة في التعلّم هي التي تُحوّل المعرفة إلى مهارة، والمفاهيم إلى إنجازاتٍ واقعية.
وفي مجال التكوين المهني، هذه النقلة هي التي تصنع الفارق: فالمطلوب ليس تخزين المعارف، بل توظيفها في الفعل والإنتاج والإبداع.

 3. دور المكوِّن: إيقاظ الرغبة في التعلّم

مهمة المكوِّن ليست تلقين الدروس، بل إيقاظ الرغبة في التعلّم لدى المتكوِّن.
فحين يجعل المعرفة حيّةً ومتصلةً بواقع المهنة وبحاجات المجتمع، يتحوّل المتعلّم من متلقٍّ سلبي إلى فاعلٍ في مسار تكوينه.
المكوِّن الناجح لا يقول: "تعلّم هذا"، بل يُلهم المتعلّم أن يقول: "أريد أن أتعلّم".

 4. تحدّي مؤسسات التكوين

على مؤسسات التكوين أن تُنشئ مناخًا يُولّد حبّ التعلّم لا الخوف من الفشل.
وذلك عبر اعتماد البيداغوجيات النشطة، والمشاريع التطبيقية، وتشجيع التقدّم الفردي بدل الاكتفاء بالتقييم الرقمي.
فالمؤسسة الناجحة هي التي يشعر فيها كل متكوّن أن ما يتعلّمه له معنى وجدوى وأفق.

 5. خاتمة

المعرفة تفتح العيون، لكنّ التعلّم يفتح الطريق.
والانتقال من رغبة المعرفة إلى رغبة التعلّم هو عبورٌ من الفضول إلى الكفاءة، ومن النظرية إلى الفعل.
وفي هذا العبور تكمن جوهر رسالة التربية والتكوين المهني:
أن لا نملأ العقول بالمعلومات، بل نُوقظ فيها ذكاءً قادراً على الفعل والبناء.

 كان الله في عونكم 

أحمدو سيدي محمد الكصري
خبير وطني في التوجيه المهني وهندسة التكوين

اثنين, 27/10/2025 - 10:09