
"التقييم ليس أن تعرف أنك أفضل من الآخرين، بل أن تعرف أنك أصبحت أفضل من نفسك."
هذه العبارة تختزل فلسفة تربوية حديثة وإنسانية بامتياز.
وفي سياق التكوين المهني، تدعونا إلى إعادة النظر في الطريقة التي نقيس بها النجاح:
فالمعيار الحقيقي ليس في المقارنة بين المتكونين، بل في مدى تطور كل فرد ونمو كفاءاته على نحو ملموس.
التقييم أداة للنمو... لا للمنافسة
غالبًا ما يُنظر إلى التقييم على أنه امتحان يفرز الفائزين من الخاسرين.
غير أن جوهر التقييم الحقيقي هو أن يكون وسيلةً للمرافقة والتطور.
فهو يساعد المتكون على معرفة موقعه، وفهم ما يتقنه بالفعل، وما يحتاج إلى تطويره أكثر.
في التكوين المهني، الغاية ليست أن “تتفوق على الآخرين”،
بل أن تتفوّق على نفسك — أن تكون اليوم أكثر كفاءة وثقة وقدرة مما كنت عليه بالأمس.
تلك هي الانتصارات الحقيقية التي يصنعها التعلم.
قياس التقدّم بدلًا من الأداء
لكل متكون مساره وإيقاعه وقدراته الخاصة.
ومقارنة أحدهم بغيره تُلغي هذه الفروقات وتُضعف روح التعلّم.
أما قياس التقدّم الفردي، فهو اعتراف بالجهد والمثابرة والتحسن الفعلي.
ولهذا، فإن أنظمة التكوين الأكثر فاعلية في العالم تميل إلى اعتماد:
التقييم بالكفاءات: الذي يركّز على ما يستطيع المتكون إنجازه فعليًا في مواقف مهنية حقيقية؛
التقييم المستمر: الذي يتابع تطور المتكون طيلة فترة التكوين؛
التقييم الذاتي والمشترك: الذي يُحمِّل المتكون مسؤولية تعلّمه، ويعزّز وعيه بمسار تطوره.
دور المكوِّن: مرافقة المتكون في رحلته نحو التقدّم
لم يعد المكوِّن مجرد مقيّم يمنح العلامات،
بل أصبح موجِّهًا ومُرافقًا في رحلة النمو الشخصي والمهني للمتكون.
فنظرته الإيجابية، وملاحظاته البنّاءة، وقدرته على إبراز إمكانات المتكون،
تحوّل لحظة التقييم إلى فرصة للتعلم والتحفيز.
المكوِّن الجيد لا يسأل: "هل حصلت على أعلى علامة؟"
بل يسأل: "ماذا تعلمت؟ وما الذي أصبحت تتقنه أكثر من قبل؟"
دور القيادات التكوينية: ترسيخ ثقافة التقدّم
على قادة ومشرفي مؤسسات التكوين المهني أن يعملوا على بناء ثقافة تقييم محفّزة وداعمة، من خلال:
تكوين المكوّنين في التقييم التكويني وتقييم الكفاءات؛
اعتماد شبكات تقييم واضحة وشفافة تركّز على المكتسبات الواقعية لا على المقارنة؛
إدماج التقييم في الوضعيات المهنية الحقيقية لجعل التعلم أكثر واقعية وجدوى؛
الاعتراف بـ حق المتكون في الخطأ كجزء طبيعي من عملية التعلم والتطور.
خاتمة
التقييم ليس حكمًا نهائيًا، بل بوصلة توجه نحو الأفضل.
ليس هدفه أن يُظهر من هو الأذكى، بل أن يساعد كل متكون على أن يصبح أفضل من نفسه.
وفي هذا المعنى العميق، تتجلى رسالة التكوين المهني الحقيقية:
أن نصنع إنسانًا قادرًا على التعلّم مدى الحياة،
يؤمن بأن التقدّم رحلة لا تتوقف،
وأن التفوق الحقيقي يُقاس بالنمو والإنجاز، لا بالمقارنة والتنافس.
كان الله في عونكم جميعا
أحمدو سيدي محمد الكصري
خبير وطني في التوجيه المهني وهندسة التكوين

