
يعتبر القضاء الإداري ثورة علي منظومة قانونية كانت سائدة تقصي أعمال السلطة الإدارية وتصرفاتها من المساءلة، بمقولة أنها تنزه عن الخطأ وعن الزيغ في تطبيق القوانين، ذلك أنها تنطق باسم صاحب السلطة،صاحب السيادة الذي يستمد سلطته من الإله، وهي في الحقيقة تخفي رغبة في الاستبداد بالحكم وتخوفا من القضاء. ومن المؤكد أن دارس القوانين والتاريخ يقف علي ما آل إليه تحصين أعمال السلطة العامة من الرقابة القضائية من تجاوزات واعتداءات علي حقوق الناس وحرياتهم ومصالحهم وممتلكاتهم وذواتهم، وكرد فعل علي ذلك أدت تاريخيا وتدريجيا إلي القبول بفكرة إجراء رقابة إدارية علي أعمال السلطة , غير أن القضاء في نزاعات السلطة الإدارية لم يكن ليؤدي حتما إلي قضاء إداري حيث اختلفت الأنظمة القانونية في اعتماد نموذج القضاء الذي يمارس هذا الاختصاص، بين من يعمل بالوحدة القضائية علي اختلاف أمثلتها، والازدواجية القضائية علي اختلاف أنواعها أيضا، فخيار هذا النموذج أو ذاك وهذا المثال من كل نموذج أو ذاك ينبع من إرادة سياسية متأثرة بسياق تاريخي أو أيديولوجي تارة، أو بتجارب الدول الآخذة بهذا النموذج أو ذاك تارة أخري.
لذالك لم يرتق القضاء إلي قضاء إداري، أي التشكيلة القضائية التي تنطق بحكم القانون علي وقائع أو تصرفات منشئة لنزاع يشمل سلطة إدارية علي الأقل، بمناسبة إتيانها لهذه الوقائع أو اتخاذها لهذه التصرفات إلا عندما استقل عن قواعد القانون الخاص ليطبق قواعد القانون الإداري، أو استقل عن القانون العدلي عقب صدور حكم ابلانكو1873.
من هنا وجدت رابطة متينة بين القانون الإداري والقضاء الإداري،حيث اعتبر هذا الأخير الإطار الذي يمكن من تطبيق الجزاء النزاعي للقانون الإداري، سواء كان ذلك من قبل القضاء العدلي أو من قبل جهات قضائية متميزة تكشف عن فكرة أن القضاء الإداري امتياز قضائي للجهة الإدارية ينفرد بالنظر في النزاع الإداري ويطبق أحكام القانون الإداري، وفقا لنظرة ضيقة للقضاء الإداري تجمع بين الهيكل والوظيفة.
ومع تطور وظائف الدولة وامتداد مجال تدخلها إلي الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للأفراد اتسع نطاق المساس بالحريات العامة وتضاعفت فرضيات التجاوز والاستبداد بالسلطة والقرار ليغدو الإقرار بمسؤولية الإدارة ضرورة والحاجة إلي تشديد الرقابة القضائية أكثر إلحاحا.
ولكي تحقق الرقابة القضائية علي أعمال الإدارة جدواها وفعاليتها في ظل تحديات الذكاء الاصطناعي لا يكفي أن يعهد للقاضي الإداري بمهمة حماية الحقوق والحريات، ولا أن تقر للأفراد بحق مواجهة السلطات الإدارية عبر تكريس قضاء الإلغاء أو التعويض، بل لابد من ضمان سرعة الفصل في النزاعات وتبسيط الإجراءات حتى يتسنى للمتقاضين بلوغ الغاية من وراء الطعون.
انطلاقا مما سبق، وبالنظر إلي طبيعة الموضوع المعالج: " تطور نظرية القانون الإداري ومبادئ الرقابة القضائية علي أعمال الإدارة في ظل تحديات الذكاء الاصطناعي" فإننا سنعالج هذا الموضوع من خلال عنوانين كبيرين يتمثل الأول منهما في:تطور نظرية القانون الإداري، فيما سيكون العنوان الثاني منحصرا في: مبادئ الرقابة القضائية علي أعمال الإدارة في ظل تحديات الذكاء الاصطناعي.
مبحث أول: تطور نظرية القانون الإداري
إن مبدأ خضوع الإدارة للقانون لا يؤدي بالضرورة إلي وجود قانون إداري أي قانون خاص بالإدارة يختلف عن القانون العام. فظهور قانون إداري مستقل في بعض الأنظمة علي غرار القانون الإداري الفرنسي كان نتيجة تداخل عدة عوامل تاريخية وسياسية خاصة.
وفي إطار تناول هذا المبحث سنقوم بمعالجة ثلاثة مواضيع، يتعلق أولها بالإطار المفاهيمي للقانون الإداري(مطلب أول)، علي أن نتناول تطور القانون الإداري (مطلب ثاني)، أما في المطلب الثالث من هذا المبحث فسنعالج بحول الله القضاء الإداري في موريتانيا.
المطلب الأول:الإطار المفاهيمي للقانون الإداري
يعتبر القانون الإداري أهم فروع العلوم القانونية باعتباره يمس حياة الأفراد بشكل مباشر ويومي، فكل منا مدعو بشكل يومي تقريبا أو بصورة أو بأخرى للتعامل مع مصالح الإدارة العمومية وهياكلها ونشاطاتها باعتبار هذه الإدارة تجسيدا هيكليا وعمليا للدولة، وبذلك يكون الفرد أو المواطن خاضعا بشكل أو بآخر للقانون الإداري.
ويقصد بالقانون الإداري هنا جملة القواعد القانونية المتميزة المختلفة عن قواعد القانون الخاص والتي تحكم النشاط الإداري، فهذا النوع من القانون يعتمد في أغلب الأحيان حلولا مغايرة لتلك المعتمدة في القانون المدني، وهو ما يتجلي من خلال هذه الحيثية الشهيرة لقرار Blanco[2] المتعلق بالمسؤولية الإدارية:" وحيث إن المسؤولية التي يمكن أن تتحملها الدولة بسبب الأضرار التي يلحقها أعوان المرفق العام بالأفراد لا يمكن أن تخضع لمبادئ المجلة المدنية التي تضبط علاقة الأفراد فيما بينهم.
وحيث إن هذه المسؤولية ليست عامة أو مطلقة، بل لها قواعدها التي تتغير حسب مقتضيات المرفق العام وضرورة التوفيق بين حقوق الدولة وحقوق الأفراد".
ويبدو أن هذا التوجه منطقيا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذا القانون ينطبق علي أطراف غير متساوية في الحقوق والواجبات، علي عكس ما هو الحال في القانون الخاص، فالمنطق يقتضي إذن ضرورة الاعتراف للإدارة بامتيازات تتجاوز الحقوق العادية للأفراد حتى تتوفر لها الوسائل اللازمة لتحقيق الصالح العام.
بيد أن هذا الحل الذي يفرضه المنطق ليس بالأمر الحتمي بدليل أنه لا يوجد في كل الأنظمة القانونية، إذ هناك من الأنظمة ما ترفض فكرة القانون الإداري ذاتها، وتري فيها مظهرا من مظاهر التسلط الذي يشكل خطرا علي الحريات الفردية وخرقا لمبدأ تفريق السلط.
علي هذا الأساس لا يقع التفريق والتمييز بين الأشخاص العمومية والأفراد بل يتم إخضاعهم إلي قانون واحد وهو القانون العام وإلي سلطة قضائية واحدة وهي محاكم الحق العام.
وهذا النظام الذي يعرف أيضا بالنظام الموحد هو المنوال الذي نشأ وتبلور في انكليترا وانتشر في البلدان المتأثرة بالحضارة الإنكليزية، ومنها علي وجه الخصوص الولايات المتحدة مع الإشارة إلي أن هذه البلدان قد بدأت تتأثر بفكرة القانون الإداري، وتدخل نوعا من الخصوصية علي القانون الذي تطبقه علي الإدارة، ولكن بدون المساس بالجوهر الذي يبقي وحدويا بالأساس.
المطلب الثاني: تطور القانون الإداري
من المعروف أن هناك اتجاهين أساسيين في التنظيم القضائي هما نظام ازدواجية القضاء والقانون ونظام وحدة القضاء والقانون، غير أن هناك دائما طريق ثالث يخلط بين مزايا وخصائص هذا وذاك.
والقانون الإداري الذي نعنيه هو القانون الذي برز في فرنسا قبل أن ينتشر في البلدان المتأثرة بالنموذج الفرنسي، ومنها موريتانيا. وهذا النموذج له جذوره التاريخية التي أفرزت نظاما قانونيا مميزا أصبح يمثل "نموذجا ممتازا للتصدير" كما يري الأستاذ ريفرو[5]. وتعود جذور المنوال الفرنسي للقانون الإداري إلي الثورة الفرنسية، ذلك أن العلاقة بين الإدارة الملكية والبرلمانات ( وهي عبارة عن المحاكم العدلية) في فترة ما قبل الثورة، لم تكن علاقة تعاون وانسجام ، وإنما علاقة ارتياب وتنازع. فهذه المحاكم التي كان من مشمولاتها تسجيل الأوامر الملكية لإكسائها الصبغة التنفيذية، كانت كثيرا ما ترفض القيام بذلك وهو ما كان يؤدي إلي عرقلة أعمال الإدارة. فلما تحققت الثورة رأت السلطة المنبثقة عنها أنه من آكد الإصلاحات منع المحاكم العدلية من التدخل من جديد في شؤون الإدارة.
وقد وقع تأكيد هذا المنع بصفة صارمة وواضحة في قوانين ثورية متلاحقة تشكل اللبنة الأولي في ظهور القانون الإداري. ويمثل قانون 16-24 أغسطس1790 أول وأشهر القوانين الثورية التي تضمنت هذه القاعدة، فقد نص الفصل 13 من القانون المذكور أن:" الوظائف القضائية تبقي دائما مستقلة عن الوظائف الإدارية وأن القضاة لا يمكنهم تعطيل أعمال الإدارة بأية طريقة كانت، أو مقاضاة أعوانها من أجل أعمال تتصل بوظائفهم وأن كل مخالفة لهذا المنع تعتبر خرقا فادحا للقانون".
وقد تأكد هذا المبدأ الذي صار يعرف بمبدأ الفصل بين الهيئات الإدارية والقضائية، بصدور قانون السنة الخامسة سنة1797 الذي نص علي أنه: "يمنع منعا باتا علي المحاكم أن تنظر في أعمال الإدارة مهما كانت طبيعتها ".
وباستقراء هذه الأحكام نتبين أنها أقرت مبدءا وهو مبدأ اختلاف الوظائف الإدارية عن الوظائف القضائية وهذا أمر طبيعي في نظام يقوم علي قاعدة الفصل بين السلطات الثلاث ،إلا أنما يثير الاستغراب هو النتيجة التي رتبها الثوريون عن هذا التصريح ،وهي منع السلطة القضائية من النظر في أعمال الإدارة وهو ما يمثل طمسا تشريعيا للاختصاص الدستوري لهذه المؤسسة. وقد حاول أنصار هذا الموقف رغم ذلك تبريره بالرجوع إلي مبدأ تفريق السلط معتبرين أن الاعتراف للقضاء بسلطة إبطال أعمال الإدارة يؤدي إلي التدخل في شؤونها ومنعها من القيام بمهامها والحيلولة دون قيام السلطة التنفيذية ومن ورائها الإدارة بوظيفتها الدستورية ،إلا أن هذا التبرير يمثل في الحقيقة تشويها للمبدأ المذكور الذي يقوم علي وحدة الوظيفة القضائية – تطبيق القانون وفصل النزاعات –أيا كان محتوي هذا القانون وأيا كانت الأطراف المتنازعة.وعلي هذا الأساس أصبحت الإدارة في حل من كل رقابة باستثناء الرقابة الذاتية، وهو ما أدي إلي وصف هذا النظام بنظام الإدارة القاضية وهو النظام الذي تستأثر فيه الإدارة بالنظر في النزاعات الإدارية.إلا أن هذا الوضع لم يتواصل كثيرا إذ سرعان ما شهد تحولا هاما بداية من صدور دستور السنة الثامنة سنة 1806، فقد تضمن هذا الدستور في فصله 52 إحداث هيئة عليا أطلق عليها اسم "مجلس الدولة "أسند لها دورا استشاريا يتمثل في إبداء الرأي وإعداد مشاريع القرارات في النزاعات الإدارية، ولكن مع إبقاء كلمة الفصل في هذا المجال إلي رئيس الإدارة، وهو ما أدي إلي وصف هذا النظام بنظام القضاء المحجوز الذي تحول بعد ذالك إلي نظام القضاء المفوض بالاعتراف لهذا المجلس ولمجالس الأقاليم المستحدثة باختصاص الفصل في النزاعات الإدارية بمقتضي قانون 24مايو1872.
وقد تفرع عن وجود هيئتين قضائيتين: إحداهما المحاكم العادية، والأخرى المحاكم الإدارية أن نشأ نوعان من القواعد القانونية: الأول يضم قواعد القانون الخاص التي تطبقها المحاكم العادية والثاني يشمل قواعد القانون الإداري التي تطبقها المحاكم الإدارية، ولنا أن نشير هنا إلى أنه قد برز دور مجلس الدولة الفرنسي في تمييز قواعد المسؤولية الإدارية ووضعه أحكامها التي اعتمدها الفقهاء في وضع مبادئ المسؤولية العامة والتي أصبح يطلق عليها "القانون العام للمسؤولية"، ولقد انطلق مجلس الدولة الفرنسي في وضع تلك المبادئ معارضا المحاكم القضائية العادية الفرنسية وعلى رأسها محكمة النقض التي كانت تنحاز إلى جانب قواعد المسؤولية المدنية وكانت تطبق أحكام المادة 1384 من القانون المدني الفرنسي التي تخص المسؤولية المدنية على أقضية الإدارة، ومن بين الأحكام المشهورة التي أصدرها مجلس الدولة الفرنسي لمعارضة موقف محكمة النقض حكمه الشهير في قضية روتشيلد بتاريخ 16/12/1855.
ولقد استمر هذا التعارض بين جهتي القضاء بفرنسا في تطبيق قواعد المسؤولية إلى أن تدخلت محكمة التنازع لتجعل حدا لهذا التعارض بأن تبنت موقف مجلس الدولة، وذلك في حكمها الشهير ابلانكو بتاريخ 8 فبراير 1873 وتبنت نفس الألفاظ التي استعملها مجلس الدولة في حكم روتشيلد المذكور وأكدت بصراحة ما يلي: "... إن مسؤولية الإدارة عن الأضرار التي تلحق الأفراد بسبب تصرفات الأشخاص الذين تستخدمهم في المرفق العام لا يمكن أن تحكمها المبادئ التي يقررها القانون المدني للعلاقات فيما بين الأفراد، وهذه المسؤولية ليست بالعامة ولا بالمطلقة، بل لها قواعدها الخاصة التي تتنوع وفقا لحاجيات المرفق وضرورة التوفيق بين حقوق الدولة والحقوق الخاصة".
ولقد جعل حكم ابلانكو الصادر عن محكمة التنازع حدا للتعارض بين مجلس الدولة ومحكمة النقض في تمييز قواعد المسؤولية الإدارية عن المسؤولية المدنية إذ التزمت محكمة النقض بمضمون ذلك الحكم وتبعتها في ذلك سائر المحاكم القضائية العادية.
وفي نفس الوقت يلاحظ أن محكمة التنازع الفرنسية تردد في بعض أحكامها الألفاظ التي استعملتها في حكم ابلانكو.
وإذا كان النموذج الفرنسي هو المصدر الذي تأثر به الجميع، فإن نظام مجلس الدولة يوجد اليوم في عدد كبير من الدول الأوروبية وبعض الدول العربية كمصر التي تم فيها إنشاء مجلس الدولة بموجب القانون رقم:112 لسنة 1946،
المطلب الثلث:تطور القانون الإداري في موريتانيا
لتكييف تطور القانون الإداري والنظام القضائي الموريتاني وتحديد موقعه من نظامي القضاء الموحد أو المزدوج، يمكن التمييز في هذا الإطار بين عدة مراحل أساسية: مرحلة ما قبل الاستعمار والمرحلة الاستعمارية ثم مرحلة ما بعد الاستقلال.
ففي المرحلة الأولي لم تكن الأرض الموريتانية قبل الاستقلال تجمعها وحدة إدارية واحدة ولا تخضع لسلطة سياسية موحدة وإنما كانت تخضع للعديد من السلطات وكانت مقسمة إلي إمارات يقوم علي رأسها شيخ أو أمير،وكان سكان كل إمارة من الإمارات القائمة يتولون القضاء فيها وقد تخصص في القضاء بعض ممن عرفوا بالعلم والتقوى وكان الحكم يصدر وينفذ تحت سلطة الأمير أو الشيخ إلا أنه بإمكان الشخص استئناف الحكم لدي عالم آخر أكثر شهرة ولو لم يكن من نفس القبيلة ولا من نفس الإمارة، وقد استمر الحال في بداية الحكم الفرنسي علي ما هو عليه إلا أن تغييرات ستطال هذا الاعتبار لاحقا حيث تم الأخذ بالكثير من نظام المحاكم الفرنسية، إلي جانب ذالك كان القضاء القبلي سائدا حيث القبائل المحافظة علي عاداتها وتقاليدها ويعتمد هذا النوع من القضاء علي الشرع الإسلامي وعلي الأعراف والعادات السائدة في القبيلة في غياب تام للقانون الإداري نظرا لغياب تنظيمات إدارية بالمفهوم الإداري الحديث في الإقليم الموريتاني آنذاك.
وعند مجيء الاستعمار إلي موريتانيا ابتداء من سنة 1898 لم يكن هناك قانون إداري ولا قضاء إداري خاص بهذا البلد علي خلاف العديد من المستعمرات الفرنسية بإفريقيا الغربية ،وإنما كانت موريتانيا تتبع لمحكمة درجة أولي ومحكمة للاستئناف في السينغال.
وبعد حصول البلاد علي استقلالها سنة 1960 تم إصدار قانون جديد بتاريخ 17 يناير1961 بموجبه تم إنشاء محاكم درجة أولي في بعض الولايات ومحكمة عليا.
وقد أدي ذلك إلي بروز ظاهرة خاصة بالنظام القضائي الموريتاني تتمثل في تعايش قانونين وقضاءين منفصلين سمي أحدهما القانون العصري بينما سمي الآخر القانون الإسلامي حيث ينفصل كل منهما عن الآخر بمحاكمه وقضائه دون أن تظهر بوادر تكامل بينهما أو اندماج. وقد شهدت سنة 1968-1969 أول محاولة توحيد بين هذين القضاء ين اقتصرت في مرحلتها الأولي علي توحيد سلكي القضاة في نظام أساسي واحد.
كما شهدت سنة1983 إصلاحا أكثر طموحا حيث أعيد تنظيم المحاكم علي امتداد التراب الوطني علي أساس الدمج بين المحاكم الأصلية والمحاكم الشرعية، وقد هدف هذا الإصلاح إضافة إلي تحقيق الاندماج إلي تحقيق تغطية شاملة للتراب الوطني منشئا محاكم علي مستوي كافة المقاطعات ومحاكم إقليمية علي مستوي الولايات ومحاكم استئناف تاركا للمحكمة العليا مهام النقض وتلك المسندة تقليديا لمجلس الدولة الفرنسي ومحكمة الحسابات والمجلس الدستوري.
ثم جاء بعد ذلك إصلاح 1994 (القانون النظامي رقم12-94 بتاريخ 17 فبراير1994)الذي وضع في الاعتبار المضامين الديمقراطية الجديدة والمؤسسات التي استحدثها دستور20 يوليو1991 وإلغاء محكمة العدل الخاصة واستحدث مجلسا دستوريا ومحكمة للحسابات ملغيا بذلك الغرفتين الدستورية والمالية من تشكيلة المحكمة العليا.
وفي غمرة البحث عن قضاء يتلاءم والظروف والمستجدات علي المستويين الوطني والدولي يأتي إصلاح 99 (القانون رقم039/99 بتاريخ:24 يوليو1999المتعلق بالتنظيم القضائي)، الذي ظهر بعد أن تبين النقص الملحوظ في التنظيم القضائي لسنة 1994 الآنف الذكر، ومن المستجدات التي جاء بها هذا القانون محاولته تحقيق توزيع أفضل للقضايا بين مختلف المحاكم، وكذالك تحقيق قدر أوفر من التخصص واستغلال أكثر عقلانية للموارد البشرية المتوفرة.
وتعد الغرف الإدارية في محاكم الولايات والغرفة الإدارية في المحكمة العليا الجهات القضائية صاحبة الاختصاص في المنازعات الإدارية طبقا للتنظيم القضائي الموريتاني كأصل عام، إلا أن هناك بعض الاستثناءات التي أوردتها المواد 25 و26 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية ، وهذه الاستثناءات لا تنقص بطبيعة الحال من نطاق اختصاص الغرف الإدارية الموريتانية،الذي لا يكاد يقل أهمية عن الاختصاص المسند إلي المحاكم الإدارية المستقلة في نظام الازدواجية القضائية.
وهكذا نجد أن المشرع الموريتاني وإن أخذ بنظام القضاء الموحد إلا أنه لم يأخذ به علي إطلاقه كما فعلت دول نظام القضاء الموحد، وإنما كان منطقيا مع نفسه حينما اعترف بضرورة وجود قضاء إداري وبالتالي ضرورة وجود قانون إداري حتى ولو كان ذالك داخلا في إطار النظام الموحد، لقد أدرك المشرع ضرورة المغايرة بين القضاء الذي يفصل في منازعات الإدارة والقضاء الذي يفصل في منازعات الأفراد فضلا عما يقتضيه ذالك من وجود قواعد مغايرة تحكم كلا منهما.
وقد آن الأوان حسب تطور القانون الإداري واتساع مهام الإدارة وحاجة خلق نهضة تنموية بالبلد إلي جلب الاستثمارات الأجنبية، أن تتم توسعة هيكلة القضاء الإداري الموريتاني وتزويده بكادر بشري متخصص وجعله مستقلا كلية عن القضاء العادي حتى تكون هناك ضمانات جدية ومقنعة علي حقوق الناس وحرياتهم ومصالحهم وممتلكاتهم.
المبحث الثاني:الرقابة القضائية علي أعمال الإدارة في ظل تحديات الذكاء الاصطناعي
تتباها الدول بأنها تتمسك بعنصر من عناصر الحضارة ألا وهو تمسكها بأن تكون دولة قانون، حيث يتجسد مبدأ سيادة القانون، وقد أصبح مقياس تطور الدول ومستوي رقيها متمثلا بمدي قربها أو بعدها من هذا المبدأ، ويتحقق ذلك من خلال خضوع نشاط الأفراد والجماعات والوزارات والدوائر التابعة لها والهيئات العامة والخاصة للقواعد القانونية القائمة،لأن الدولة أصبحت تتدخل في مختلف أوجه النشاط الاجتماعي والاقتصادي وهدفها إشباع الحاجات العامة وتحقيق الصالح العام مما أدي إلي توسع كبير في الهيئات وفي علاقات الدولة مع الأفراد، وهذا التوسع في نشاط الدولة يضع مبدأ سيادة القانون بين كفتي ميزان دقيق وحساس، نجد في الأولي حقوق الأفراد وحرياتهم العامة بينما نجد في الأخرى إشباع الحاجات العامة، وإذا كان مبدأ المشروعية(سيادة القانون) يقصد به خضوع الدولة للقانون وذلك بالنسبة للحكام والمحكومين علي السواء. وتواجه الرقابة القضائية على أعمال الإدارة، التي هي أساسا رقابة مشروعية مجموعة إشكالات قانونية وتحديات علي المستوي العملي حين التعامل مع الذكاء الاصطناعي في ظل غياب تام لنصوص تشريعية خاصة بالذكاء الاصطناعي، ومدي كفاية القواعد العامة للمسؤولية في التعويض عن أضرار الذكاء الاصطناعي.
انطلاقا من الملاحظات السابقة سيتم تناولنا لهذا المبحث في إطار مطلبين في الأول منهما نتناول الرقابة القضائية علي أعمال الإدارة، علي أن نتناول في المطلب الثاني تحديات الرقابة القضائية في ظل الذكاء الاصطناعي.
الطلب الأول الرقابة القضائية علي أعمال الإدارة
تخضع السلطة التنفيذية لصور متعددة من الرقابة، هي الرقابة الشعبية والرقابة الإدارية والرقابة القضائية،وذالك لضمان احترامها لمبدأ المشروعية. ولعل أخطر وأهم هذه الصور من الرقابة هي الرقابة القضائية التي تقف بالمرصاد للإدارة تردها إلي حظيرة المشروعية إذا هي حاولت الخروج عليها. وتتولي المحاكم الرقابة القضائية علي أعمال الإدارة.وتعد الرقابة القضائية أكثر أنواع الرقابة ضمانا لحقوق وحريات الأفراد، نظرا لما يفترض في القضاء من حيدة ونزاهة واستقلال عن أطراف النزاع، ودراية بالشؤون القانونية ومسائل المنازعات، وإن كانت هذه الرقابة مكلفة وليست سهلة الإجراءات.
إن صحة هذا المعطي إضافة إلي المبدأ الراسخ لدي بعض فقهاء القانون من أن: " كل فرد يملك السلطة يكون محمولا علي إساءة استعمالها "، دفعت بأغلب التشريعات إلي تكريس مبدأ الرقابة القضائية علي أعمال الإدارة، وذلك بهدف حماية الأفراد من كل أشكال التعسف والاستبداد، ومن هذا المنطلق كانت فكرة تخصيص قضاء مستقل للنظر في القضايا والنزاعات التي تكون الإدارة طرفا فيها مع عدم تحصين أي قرار إداري من الطعن أمام القضاء وإخضاع كافة أعمال الدولة لرقابة القضاء تعد أهم ضمانة لحماية حقوق وحريات الأفراد.
ولطالما كان القاضي الإداري باعتباره يفصل في منازعات تكون أطرافها غير متكافئة متيقنا دائما من ضرورة التسلح بالآليات التي تكفل حماية أكثر للمستفيدين من الخدمات الإدارية في مجابهة امتيازات وصلاحيات السلطة العامة ووسائل التنفيذ الجبري التي تملكها السلطة المذكورة، ضرورة أن كل تراخ في بسط الرقابة علي أعمال الإدارة يشجعها علي الإهمال وعدم الاحتياط في اتخاذ قراراتها في حين أنه كلما ضاعف القاضي الإداري من رقابته كلما أدي ذالك بالإدارة إلي تجنب التجاوزات وتحكيم المصلحة العامة دون سواها.
ومع تطور وظائف الدولة وامتداد مجال تدخلها إلي الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للأفراد اتسع نطاق المساس بالحريات العامة وتضاعفت فرضيات التجاوز والاستبداد بالسلطة والقرار ليغدو الإقرار بمسؤولية الإدارة ضرورة والحاجة إلي تشديد الرقابة القضائية أكثر إلحاحا. ولكي تحقق الرقابة القضائية علي أعمال الإدارة في ظل تحديات الذكاء الاصطناعي جدواها وفعاليتها لا يكفي أن يعهد للقاضي الإداري بمهمة حماية الحقوق والحريات ولا أن يقر للأفراد بحق مواجهة السلطات الإدارية عبر تكريس قضاء الإلغاء أو التعويض، بل لابد من ضمان سرعة الفصل في النزاعات وتبسيط الإجراءات حتى يتسنى للمتقاضي بلوغ الغاية من وراء الطعون.
إن تكريس الحقوق والحريات الفردية لا يتوقف علي مجرد تضمينها في قوانين الدولة، بل يجب تقرير الآليات التي تضمن حمايتها وصيانتها من كل الاعتداءات لاسيما في مواجهة السلطات الإدارية نظرا لطبيعة نشاطها وخطورة الأعمال والتصرفات التي تتخذها في سبيل حماية النظام العام.كما أن فعالية جهاز القضاء الإداري لا تقاس بمدي إخضاع الإدارة لسلطان القانون نظريا وتشريعيا، بل بقدر جدية الوسائل المتاحة للقاضي المختص لتجاوز جملة العراقيل المرتبطة بطبيعة المادة، وكذالك بقدر نجاعة الآليات الإجرائية التي تضمن تنفيذ أحكامه وتساهم في حسن سير العدالة لأن عدم تقرير الضمانات اللازمة تفرغ تلك الحقوق والحريات من محتواها وتكون مجردة من أية قيمة قانونية. ومن هذا المنطلق فإن دنو كل تقنيات الذكاء الاصطناعي من جميع مناحي الحياة يعني أن إمكانية إحداث هذه الأخيرة أضرارا للغير هو أمر وارد لا محالة، وهو ما يضع القانون الإداري أمام تحد قانوني حقيقي عليه أن يثبت فيه خلو قواعده من أي عجز أو قصور، لتأ طير جميع الجوانب القانونية ذات الصلة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي.وهذه التحديات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي هي ما ستكون موضوع المطلب الموالي.
المطلب الثاني : تحديات الذكاء الاصطناعي
يشهد العالم اليوم تحولا غير مسبوق في مجال الابتكارات التكنولوجية والثورة المعلوماتية حيث حقق العقل البشري علي مدي العصور إنجازات وإبداعات علمية رائدة تخدم البشرية وتحقق الكثير من أحلام الإنسان عن طريق معالم الذكاء الاصطناعي واتجاهه بخياله إلي آلة تستطيع أن تحاكيه في التفكير. حتى لقد اعتبر الفيلسوف الفرنسي بول فالري Paul Valéry بأن كل إنسان هو بصدد التحول إلي آلة أو بمعني أصح الآلة هي التي في طور التحول لتصبح إنسان.
ومنظومة العدالة لم تبق بعيدة عن هذه التغيرات ، فالذكاء الاصطناعي أصبح يؤثر علي الممارسات والخدمات القانونية، فقد ساعد الذكاء الاصطناعي في تسهيل سير العدالة وتحقيق الشفافية واختصار الوقت في القضايا والتنبؤ ببعض الأحكام القضائية وتحليل البيانات وإجراء البحث بسرعة قصوى، وهذا من شأنه إرشاد القانونيين وتمكينهم من وضع استراتيجيات تتسم بالدقة والشمولية.وفي إطار هذه النقطة المتعلقة بتحديات الذكاء الاصطناعي للرقابة القضائية نري من الأهمية بمكان تعريف الذكاء الاصطناعي(أولا)، ومن ثم الحديث عن التحديات التي يطرحها علي مستوي الرقابة القضائية علي أعمال الإدارة (ثانيا).
أولا: مفهوم الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي هو مجال من مجالات علم الحاسوب والهندسة التي تستهدف تصميم وبناء أنظمة قادرة علي أداء مهام تتطلب الذكاء البشري مثل الإدراك والتعلم والتفكير والحل الإبداعي للمشكلات.ومنذ ما يقارب ألف سنة ظهرت فكرة الإنسان الآلي علي يد العالم العربي الجزري الذي طور الصيغة المبدئية لأول نسخة بدائية من الألعاب علي شكل بشر وكانت ذاتية الحرك .وفي العقود الأخيرة شهد مجال الذكاء الاصطناعي تقدما هائلا بفضل التطور السريع في المعالجة الحاسوبية والبيانات الضخمة والخوارزميات المتقدمة.
وقد بدأ هذا النظام العلمي رسميا في كلية داتموث في هانوفر سنة 1956 أثناء ملتقي علمي نظمه باحثون آمريكيون حيث جاء في البيان الختامي لاجتماع هؤلاء الباحثين بأن الذكاء الاصطناعي يهدف في البداية إلي محاكاة كل واحدة من مختلف قدرات الذكاء بواسطة الآلات سواء كان ذكاء بشريا أو حيوانيا أو نباتيا، أو اجتماعيا.وقد استند هذا النظام العلمي أساسا إلي افتراض أن جميع الوظائف المعرفية ولاسيما التعلم والاستدلال والحساب والإدراك والحفظ في الذاكرة وحتى الاكتشاف العلمي أو الإبداع الفني قابلة لوصف دقيق لدرجة أنه يمكن برمجة جهاز كومبيوتر لاستنساخها.
ومن الواضح أن صياغة تعريف محدد وشامل للذكاء العام والذكاء الاصطناعي يعتبر أمرا صعبا وعليه فهناك تباين كبير في وجهات نظر العلماء حول تفسير الذكاء الاصطناعي، فبعض العلماء يعتبرونه فرعا من فروع التصميم الهندسي بينما يعتبره آخرون مرتبطا بعلوم محاكاة نظم التفكير الإنساني .
ويعرف قاموس المعاني الجامع الذكاء الاصطناعي علي أنه:" القدرة التي يتمتع بها جهاز أو آلة ما لأداء أنشطة تتطلب ذكاء بشكل مماثل للقدرات البشرية، مثل الاستدلال الفعلي والقدرة علي إجراء تعديلات علي نفسه
ويعرف أوبريان الذكاء الاصطناعي علي أنه علم وتقنية مبنية علي عدد من المجالات المعرفية مثل علوم الحاسبات الآلية والرياضيات والأحياء والفلسفة والهندسة والتي تستهدف تطور وظائف الحاسبات الآلية لتحاكي الذكاء البشري. إذن هو عبارة عن مختلف المجالات المعرفية التي تتفاعل معا من أجل برمجة الآلات بطريقة تقنية تسمح لها بمحاكاة الفكر البشري[16].
وباستطلاع جميع التعاريف الواردة لأجل حصر الذكاء الاصطناعي نجد هذه الأخيرة جميعها تتمحور حول دراسة كيفية تدريب الأجهزة والآلات لتقوم بأشياء بشكل أفضل مما يفعله الإنسان، لذلك فهو ذكاء حيث نريد أن نضيف كل القدرات التي يتميز بها لآلة، وبالتالي يعرف الذكاء الاصطناعي علي أنه طريقة لصنع حاسوب أو روبوت يتم التحكم فيه بواسطة الكومبيوتر أو برنامج يفكر بذكاء بنفس الطريقة التي يفكر بها البشر الأذكياء.
ثانيا: التحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي علي مستوي الرقابة القضائية علي أعمال الإدارة
لقد أضحي استخدام الذكاء الاصطناعي أمرا حتميا لكونه أصبح وسيلة أساسية يستخدمها البشر في حياتهم اليومية وهذا راجع إلي أنه أثبت كفاءته في شتي المجالات وكان له الأثر الفعال في تسهيل الحياة وتحقيق رفاهية الإنسان، ويعتبر المجال القضائي من بين المجالات التي مسها الذكاء الاصطناعي فبعدما كانت الدولة تعتمد علي التقاضي الالكتروني جاء الذكاء الاصطناعي ليحل محلها تحت مسمي التقاضي الذكي، بحيث تتم فيه جميع إجراءات التقاضي ابتداء من رفع الدعوي وحتى تنفيذ الحكم باستخدام التطبيقات الذكية الرسمية والمعتمدة من الجهات القضائية.
كما أن الذكاء الاصطناعي بلغ مستويات متقدمة جدا حيث أصبح بإمكانه أداء مهام كانت في وقت سابق حكرا علي البشر، وهذا لما يتمتع به من خصائص فريدة ومتميزة، وبالرغم من كل هذه الإيجابيات إلا أن هناك جانبا آخر من هذا الذكاء بحيث أثار العديد من الإشكالات والتساؤلات بل وأصبح بمثابة تحد جديد للقانون.
وأهم التساؤلات التي يثيرها الذكاء الاصطناعي هي اكتسابه للشخصية القانونية بحيث وجد جدال واسع لم يفصل فيه بشكل قاطع لحد الآن حول تمتع الذكاء الاصطناعي بالشخصية القانونية. ومدي جدارته بذلك، بل وأبعد من ذلك مدي قابليته وكفاءته لتحمل المسؤولية عن التصرفات غير المشروعة التي يقوم بها أو الأضرار التي قد يتسبب فيها للغير.
ويطرح الذكاء الاصطناعي تحديات كبيرة في مجال الرقابة القضائية علي أعمال الإدارة،فالقوانين المنظمة للذكاء الاصطناعي غير واضحة وحتى غير موجودة في الكثير من الدول سواء تلك التي تأخذ بنظام القضاء الموحد أو تلك التي تأخذ بنظام ازدواجية القضاء والقانون ، فالذكاء الاصطناعي يعمل الآن تحت قوانين مراقبة المحتوي علي الانترنت دون وجود قوانين خاصة به تراعي خصوصية تقنيات الذكاء الاصطناعي والقدرات الهائلة التي توفرها هذه التقنيات. وقد قامت بعض الدول ومن بينها:نيوزيلندا وابريطانيا واستراليا وكندا بمحاولات فردية لوضع معايير إرشادية تضبط استخدام الذكاء الاصطناعي في أنظمتها القضائية. وفي الولايات المتحدة الآمريكية وافق المشرعون سنة 2024 علي مشروع قانون يهدف إلي تعزيز سلامة الذكاء الاصطناعي،كما قام برلمان الاتحاد الأوروبي بإقرار قانون الذكاء الاصطناعي في13مار2024 ويهدف قانون الذكاء الاصطناعي للإتحاد الأوروبي إلي مواجهة التحدي المتمثل في تطوير
ونشر الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول عبر المجالات المختلفة[19].
ولقد أدركت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم أهمية وضع إرشادات دولية لضبط استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في المحاكم والهيئات القضائية. ومن هذا المنطلق دشنت مشروعا لتطوير مبادئ توجيهية شاملة تهدف إلي تحقيق التوازن بين الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي وضمان العدالة الإجرائية.
ورغم التطور الهائل في مجال الذكاء الاصطناعي وفوائده المتعددة لا تزال هناك تحديات ومخاوف مرتبطة بأمان وخصوصية البيانات وأخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي، وقد طرح الذكاء الاصطناعي عدة إشكالات قانونية علي المستوي العملي في ظل غياب تام لنصوص تشريعية خاصة بالذكاء الاصطناعي.
خاتمة
يعتبر موضوع الرقابة القضائية علي أعمال الإدارة ذو مكانة خاصة بين موضوعات القانون الإداري، وتثير مسألة تطور أسسها اليوم العديد من التحديات سواء من حيث التفكير في الآراء الموروثة لفحص مدي تماشي هذه الأسس مع ما يطرأ عليها من تغيرات في الواقع المعاصر، أو من حيث التشكيك في النظريات التي شيدها الفقهاء في مراحل سابقة لبلورة موضوعها.
ومن أكثر التحديات التي تواجهها الرقابة القضائية علي أعمال الإدارة هو التطور المذهل في عالم الذكاء الاصطناعي ، مما يحتم علي مختلف الأجهزة القضائية أن توفر ميزانيتها، وأن تدرب منتسبيها علي استخدام الذكاء الاصطناعي بوعي ومسؤولية.
إنما نحتاج إليه اليوم في قضائنا الإداري ليس هو تجريم استخدام الذكاء الاصطناعي، بل تأهيل الكادر القضائي بقضاته وكتابه علي البحث وتدريبهم علي الاستخدام الجيد للأدوات المساعدة حتى يصبح الذكاء الاصطناعي معينا علي التفكير لا بديلا عنه.
-Bruno Odent et Didié Trichet ,La justice administrative Que sais Je p 3et ss)TC-8 Février 1973 ,Blanco, G A 10 édition, Sirey &çç », P1
- محمد رضا جنيح،قانون إداري،مركز النشر الجامعي2004،ص13(
-( P,Lindseth-Reflexion sur le droit administratif aux Etat, E D C E ,1995,n° 46 ,P515
-Rivero ,les phénomène d’ imitation des modèles étrangers en droit administratif, Mélanges Van Der Meersch, 1972, P -619
6( انظر في تاريخ القضاء الإداري المصري،الدكتور عثمان خليل:مجلس الدولة- الطبعة الرابعة ص37 وما بعدها.وكذلك الدكتور عبد الفتاح حسن:ترتيب الإدارة العامة والرقابة علي أعمالها في مصر خلال الفترة ما بين1868وسنة1875، كمجلة العلوم الإدارية السنة13العدد الأول والسنة14 العدد1و2.
-( القانون رقم:035-99 بتاريخ:24/07/1999 المعدل بموجب القانون رقم:035-2007 المعدل ، الجريدة الرسمية، عدد:1143 ص:471
نصت المادة25 من هذا لأمر القانوني علي أن محاكم الولايات تنظر في غرفها الإدارية:
-الطعون المتعلقة بالتعويضات ضد الدولة وأشخاص القانون العام الاعتبارية باستثناء تلك التي ترمي إلي تعويض الأضرار التي ترمي إلي تعويض الأضرار التي تسببها سيارات الإدارة؛
- النزاعات المتعلقة بالصفقات والعقود الإدارية والأشغال العامة؛
- نزاعات الضرائب المباشرة والرسوم المشابهة؛
- وبصفة عامة في كل النزاعات الإدارية التي ليست من اختصاص الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا المقررة في المادة28 من هذا القانون.
أما المادة28 فتنص علي أن الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا تنظر ابتدائيا ونهائيا في المسائل التالية:
-الطعون التي يقام بها بسبب الشطط في استعمال السلطة أو في تقدير شرعية القرارات الإدارية ذات الطابع الفردي أوالتنظيمي أو في طلبات التأويل؛
-النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والوكلاء العموميين؛
النزاعات المتعلقة بالأملاك العامة بما في ذالك المخالفات المتعلقة بطرق المواصلات الكبري والتنازل عن الأملاك ورخص البحث المنجمي والإحتلال المؤقت الممنوح لصالح شخصية اعتبارية من القانون العام؛
-القضايا المتعلقة بنزع الملكية بسبب النفع العام باستثناء التعويض؛
-في النزاعات المتعلقة بالانتخابات البلدية وانتخابات أعضاء الهيئات المهنية.
- د.محمود حلمي ،القضاء الإداري، طبعة أولي،،1975 ص:16 وما بعدها. (
- مونتسكيو،كتاب روح القوانين،الفصل 14
-( وارد في حمداد ولمياء،الذكاء الاصطناعي:نموذج عن التحديات العاصرة للمسؤولية التقصيرية،المجلة الجزائرية للقانون والعدالة ،العدد1السنة2024
- كريم علي، الجوانب القانونية للذكاء الاصطناعي،مقال منشور في مجلة جيل الأبحاث القانونية،العدد54ص23
-( ميخوت بن البار،مقاربة نظرية حول الذكاء الاصطناعي ،وارد في مؤلف:التحديات القانونية والأخلاقية في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي،مكتبة الدراسات العربية للنشر والتوزيع،عمان2025ص62
- أمينه عثامنية، المفاهيم الأساسية للذكاء الاصطناعي،دراسة منشورة في مؤلف جماعي،بعنوان تطبيقات الذكاء الاصطناعي كتوجه حديث لتعزيز تنافسية منظمات الأعمال ، المركز الديمقراطي الغربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية،برلين،ألمانيا،ط1،2019ص9 د.عادل عبد النور، مدخل، إلي عالم الذكاء الاصطناعي ،ط دار الصفاء للطباعة والنشر والتوزيع،2010 ص:77 (
-عبد الله موسي واحمد بلال،الذكاء الاصطناعي ثورة في تقنيات العصر،دار الكتاب المصرية، القاهرة،ط1،2019ص56 (
-عبد الله موسي،احمد بلال،مرجع سبق ذكره،ص20 (
- كرزازي زينب أسماء ويوسفات علي هاشم، إشكالية الاعتراف بالشخصية القانونية للذكاء الاصطناعي لتحديد المسؤولية الجزائية،وارد في المؤلف الجماعي:التحديات القانونية والأخلاقية في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، مرجع سبق ذكره،ص:282
- كريم علي سالم،الجوانب القانونية للذكاء الاصطناعي،مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة،العدد54 اكتوبر2022ص63.
القاضي د.محمدمحمود محمدسالم أواه
استاذ جامعي
محامي سابق
مستشار بالمحكمة العليا

