
يشهد المشهد السياسي في موريتانيا ميلاد قوة جديدة تحمل في مشروعها السياسي قيمًا صادقة ينتظرها المواطن الموريتاني منذ عقود: المواطنة، والعدالة، والمساواة. ومع حصول حزب جبهة المواطنة والعدالة على الوصل النهائي من وزارة الداخلية، يبدأ الحزب مرحلة مفصلية تتطلب قدرًا كبيرًا من الحكمة والتنظيم والعمل الميداني العميق.
وإذا كان الحزب اليوم يمثل إطارًا جامعًا لمختلف أطياف المجتمع الموريتاني—من شباب وفاعلين مهنيين ونخب فكرية وشخصيات شعبية—فإن هذا التنوع يشكل مصدر قوة لكنه في الوقت ذاته يتطلب إدارة رشيدة لضمان انسجام الرؤية ووحدة العمل.
1. التحدي الأول: بناء مؤسسات حزبية قوية وفعّالة
نجاح الحزب في هذا الوقت المبكر يعتمد على قدرته على بناء مؤسسات تنظيمية تتسم بالوضوح والشفافية.
فلا يمكن لأي حزب يريد لعب دور وطني مؤثر أن يقوم على المبادرات الفردية أو التحركات الظرفية، بل يحتاج إلى:
هيكلة واضحة من القاعدة إلى القمة
تحديد صلاحيات كل مسؤول حزبي
إنشاء آليات للمتابعة والتقييم
ترسيخ ثقافة الالتزام والانضباط داخل الأقسام والفروع
2. التحدي الثاني: تعزيز الثقة مع المواطنين
يحمل الحزب على عاتقه مسؤولية مخاطبة جميع الموريتانيين دون استثناء.
ولذلك، ينبغي التركيز على:
الحضور القوي في الأحياء والمقاطعات
الاستماع الفعلي للمواطنين ونقل همومهم
تقديم مبادرات ملموسة تعكس روح العدالة الاجتماعية
الابتعاد عن الخطابات التقليدية التي فقدت مصداقيتها لدى الشعب
الثقة تُبنى على الفعل، لا على الشعارات.
3. التحدي الثالث: حماية وحدة الحزب وتنوعه
احتضان الحزب لمختلف مكونات المجتمع يُعد إنجازًا في حد ذاته، لكن تعدد الخلفيات والانتماءات قد يشكل تحديًا إذا لم تُبنَ رؤية مشتركة تجتمع حولها القواعد.
ولذلك، يجب:
ترسيخ ثقافة الحوار الداخلي
احترام الرأي المختلف
ضمان تمثيل كل المكونات في الهيئات القيادية
منع أي محاولة لاستغلال التنوع لصالح أفراد أو مجموعات
4. التحدي الرابع: صياغة مشروع وطني واقعي وعملي
حتى يكون للحزب صوت سياسي قوي، يحتاج إلى برنامج يستجيب لحاجات المواطن العادي:
التعليم، الصحة، التشغيل، محاربة الفساد، تطوير الاقتصاد المحلي، وتمكين الشباب.
على الحزب أن يقدم:
حلولًا قابلة للتنفيذ
رؤى مبنية على المعطيات
برامج قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى
خطابًا سياسيًا قريبًا من المواطن
5. التحدي الخامس: مواجهة المتغيرات السياسية والإدارية
لا يخوض الحزب مساره في فراغ، فالساحة السياسية تتسم بالتنافس والاصطفافات والتجاذبات.
ولذلك، يحتاج الحزب إلى:
قراءة دقيقة للمشهد السياسي
بناء تحالفات ذكية إذا اقتضت الحاجة
حماية قراره المستقل
الاستعداد لمواجهة الضغوط أو محاولات التهميش
خلاصة
إن التحديات التي تنتظر حزب جبهة المواطنة والعدالة ليست عائقًا بل فرصة لبناء حزب وطني رصين يضع المواطن في قلب اهتمامه.
وإذا استطاع الحزب أن يدير تنوعه، ويواجه مسؤولياته بوعي وتنظيم، فسيكون قادرًا على لعب دور محوري في بناء موريتانيا أكثر عدلًا ومساواة.
وأنا على ثقة تامة بأننا، بالتعاون والعمل المشترك، قادرون على تحقيق الأهداف المرسومة، وترجمة تطلعات المواطنين إلى إنجازات واقعية تخدم الوطن وتكرّس قيم العدالة والمواطنة.
أحمدو سيدي محمد الكصري
مناضل في جبهة المواطنة والعدالة
انواكشوط الشمالية

