الطعن لصالح القانون:مداخلة القاضي /اندكجلي في مؤتمر رؤساء المحاكم العليا

 

انواكشوط(شبكة المراقب):خلال اليوم الأول من المؤتمر الثامن لرؤساء المحاكم العليا بالدول العربية الذي تم إفتتاحه اليوم بقصر المؤتمرات تقدم القاضي عبد الله ولد اندكجلي بمداخلة بعنوان الطعن لصالح القانون في المجالين المدني والجزائي .
هذا ملخص لأبرز ماتضمنته :
بسم الله الرحمن الرحيم

يعد الطعن لصالح القانون بوجه عام من أبرز الطعون غير العادية أو الإستثنائية نظرا لمايتمتع به من خصوصية ترتكز في الأساس علي إرساء المبادئ القانونية وتوحيد المفاهيم القضائية وتصحيح ماقد يؤثر من أخطاء علي شرعية الأحكام والقرارات بالشكل الذي يفرض أن يكون مايصدر عن مختلف الجهات القضائية مهما كانت طبيعتها منسجما في الواقع مع سيادة القانون واحترام هيبته ويكرس رقابة المحكمة العليا علي ماقد يتخلل الأحكام والقرارات القضائية من خرق لمقتضيات القانون أوتجاوز للسلطة من شأنه الإضراربمصلحة الدولة اومخالفة النظام العام اوالمساس بمبدأ وحدة القانون وحياد أحكامه تطبيقا وتفسيرا .
وإنطلاقا من تلك المقاربة فقد عرف المشرع الموريتاني الطعن لصالح القانون في المجاليين المدني والجزائي منذ ستينيات القرن العشرين وذلك من خلال مانظمه من مقتضيات في كل من قانوني الإجراءات المدنية والاجراءات الجنائية تبرز بجلاء ماوضعه من تصور لمفهوم وأحكام وآثارالطعن لصالح القانون وتسمح بالقول بان هذا الطعن ماهو إلاطريق من طرق الطعن غير العادية أوالاستثنائية التي منح القانون الحق في مباشرتها للمدعي العام لدي المحكمة العليا اووزير العدل بواسطة هذا الاخير وذلك امام الغرف المجمعة بالمحكمة العليا متي ما باشر المدعي العام الطعن بناء علي أمر من وزير العدل في الميدان الجزائي أو من تلقاء نفسه ضد الأحكام او القرارات النهائية القابلة للطعن مهما كانت طبيعتها رغم فوات الآجال أو عدم طعن أي من الأطراف ضمن المواعد المحددة قانونا ولوكان ذلك بعد تنفيذ الحكم أو القرار ، أمام الغرفة المختصة بالمحكمة العليا متي كانت ممارسة الطعن قد تمت بناء علي طلب من وزير العدل ضد الاحكام أو القرارات الصادرة في المجال المدني والتي تعتبر تجاوزا للسلطة ، مع ذلك يظل قبول الطعن لصالح القانون دون أثر بإستثناء ماهو ممارس منه في المجال الجزائي أو ماتعلق بتجاوز الحكم أو القرار محل الطعن للسلطة .
وفي هذا السياق فقد ركز المشرع الموريتاني في تناوله لأحكام الطعن لصالح القانون في المجال المدني علي وجهين أحدهما يتعلق بالطعن في الأحكام أوالقرارات لصالح القانون في حين يتعلق الآخربالطعن فيها بسبب تجاوز السلطة وهومايثير في حقيقته وجوهره التساؤل عن طبيعة الإختلاف القانوني الحاصل بين هذين الوجهين ؟ وعن مدي إمكانية إعتبار تجاوز الحكم أو القرار للسلطة وجها من أوجه الطعن لصالح القانون ؟. وهي كلها تساؤلات وإن كانت تجد مبرراتها بوجه عام في فلسفة المشرع من وراء إقرار وتنظيم أحكام الطعن لصالح القانون إلا أنها قد تصطدم بما يمكن تسجيله من إختلاف في طبيعة ومفهوم كل من هذين المصطلحين وهومايمكن أن نلتمسه من خلال مايتجلي من فروق جوهرية بين الطعن لصالح القانون والطعن من أجل تجاوز السلطة خصوصا حينما يتعلق الأمر بالغاية المتوخاة من وراء كل واحد منهما ذلك أن الأول يهدف بالأساس الي السهر علي حسن تطبيق القانون الموضوعي والإجرائي والعمل علي توحيد مناهج ومفاهيم تطبيقهما من لدن محاكم الموضوع في حين أن الثاني يستهدف إجبار السلطة القضائية علي إلتزام حدود إختصاصاتها.
علي أن الإختلاف في المصطلحين وإن أمكن أعتباره مبررا لما ذهب اليه المشرع الموريتاني من تحديد لإختصاص كل من وزير العدل والمدعي العام لدي المحكمة العليا في إطار الطعن لصالح القانون ومن تباينن في الآثار المترتبة علي الطعن الممارس من طرف كل واحد منهما إلا أنه لايمكن أن يجعل من تجاوزالحكم أو القرار للسلطة طعنا قائما بذاته وذلك لكون تجاوز السلطة لايختلف في واقع الأمر عن مدلول مخالفة القانون .
ولعل تلك الفكرة لم تغب عن بال المشرع الموريتاني حينما أعتبر تجاوز الأحكام والقرارات للسلطة بمثابة سبب من أسباب الطعن لصالح القانون مبررا أوجه ذلك التجاوز من خلال ما أورده في المادة 231 من قانون الإجراءات المدنية من تحديد لمدلوله تمثل فيما قام بسرده من أوجه تتعلق بالخطأ في القانون والتطبيق السيئ له والخطأ في تكييف الوقائع القانونية وهو مايمكن معه القول إن كل وجه من تلك الأوجه يعد في حد ذاته سببا للطعن لصالح القانوني متي ماتعلق بأي من الأحكام والقرارات الصادرة عن محاكم الموضوع .
وبوجه عام فإن أحكام الطعن لصالح القانون في المجالين المدني والجزائي وإن كانت تعود في جذورها التاريخية كما أسلفنا للسنوات الأولي لتأسيس الدولة الموريتانية إلا أنها لاتزال تثير العديد من الملاحظات علي المستويين التشريعي والقضائي من أبرزها :
1) أن ماقام به المشرع الموريتاني في المادة 231 من قانون الإجراءات المدنية من سرد لما اعتبره تجاوزا للسلطة كالخطأ في تطبيق القانون والتطبيق السيئ له والخطأ في تكييف الوقائع يجعل من غير المستساق قانونا ماذهب إليه من تبايين في الآثار المترتبة علي طعن المدعي العام لدي المحكمة العليا من تلقاء نفسه والطعن المقدم من وزير العدل إنطلاقا من وحدة أسس ومبررات هذين الطعنين مما يفرض في الواقع توحيد اوجههما وآثارهما ضمن مادة واحدة .
2 ) كان علي المشرع الموريتاني إقتصار أثر الطعن لصالح القانون علي تصحيح ماشاب الحكم أوالقرارمن خرق دون المساس بما اكتسبه الأطراف من حقوق بموجب الحكم الطعين لما في ذلك من تجاوب مع طبيعة هذا الطعن ولغلق الباب أمام ديمومة النزاع وذلك في ظل ما قام المشرع بمنحه للأطراف من حقوق بموجب المادة 223 من قانون الإجراءات المدنية تسمح لهم بالطعن أمام الغرف المجمعة بالمحكمة العليا أكثر من مرة في القرار الصادر عن التشكيلة المغايرة وأمام عدم قيام المشرع باقتصارأثرالطعن علي تصحيح وجه خرق الحكم اوالقرار للقانون كان عليه علي الأقل توحيد آثارهذا الطعن في المجال المدني علي قرار ماقام به في المجال الجزائي
3) لم يحدد المشرع الموريتاني شكلا معينا للممارسة الطعن لصالح القانون تاركا ذلك علي مايبد للأشكال العامة في الطعن بالنقض ولم يحدد الكيفية التي بمقدور كل من المدعي العام ووزير العدل الوقوف من خلالها علي أوجه الطعن لصالح القانون كما أنه لم يحدد من خلال المادة 231 من قانون الإجراءات المدنية شكلا أوصغة معينة للإجراء الذي يقوم به وزير العدل في إطار تكليف المدعي العام بمباشرة إجراءات الطعن لصالح القانون هل يتم ذلك في شكل : أمر ، طلب ، تعليمات ...................
4) عدم الإفراط في اللجوء الي الطعن لصالح القانون خصوصا منه ذلك المقدم من طرف وزير العدل .
5) كان علي المشرع الموريتاني توحيد جهة البت في الطعن لصالح القانون واقتصارها علي الغرف المجمعة بالمحكمة العليا نظرا لما يمتاز به هذا الطعن من خصوصيات
والله من وراء القصد

ثلاثاء, 24/10/2017 - 00:25