القضاء الإداري بين القائلين بأهميته والمشككين في نجاعته/د.محمد محمود محمد سالم أواه ـ قاضٍ

تعد السلطة القضائية في الدول التي تأخذ بأساليب التطبيقات الديمقراطية فضاء لتحقيق العدالة وإعطاء مفهوم الحق والقانون وزنه ودلالته، فالقضاء هو الذي يحمي الحقوق الفردية والجماعية، وهو الذي يجعل من القانون سيدا يخضع له الجميع وضابطا يحدد قواعد التعامل في مختلف المجالات، والقضاء هو الذي يوقف كل التجاوزات مهما كان مصدرها، ويضمن الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ويسهر علي سلامة الممارسة السياسية.
 
ويعتبر القضاء الإداري دعامة أساسية للمجتمع الديمقراطي وحماية حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا. وممارسة الحريات الأساسية وتوفير الثقة واطمئنان المواطنين، وترسيخ سيادة الشرعية، وتثبيت دولة الحق والقانون والمؤسسات وحافزا مهما لتشجيع الاستثمار وتطوير الاقتصاد ومكونا فاعلا في التنمية في جميع المجالات، ولن يتأتي ذالك إلا بالاحترام للسلطة القضائية والأحكام الصادرة عنها والاطمئنان إليها والثقة فيها من لدن الجميع بما في ذالك الدولة ومؤسساتها كل ذلك بتحقيق النجاعة والفعالية والقضاء علي البطء في البت في القضايا وتنفيذ الأحكام.
 
وإذا كانت استقلالية القضاء هي إحدى دعائم دولة الحق والقانون، فإن القضاء الإداري لا يمكن أن يكون ناجعا وفعالا إلا إذا كان القانون سيدا يخضع له الجميع حكاما ومحكومين (أولا)،  وأن تكون أحكام هذا القضاء محل تنفيذ من طرف كل من صدرت في حقهم(ثانيا).
 
ثانيا: مبدأ سيادة القانون  ونجاعة القضاء الإداري
يوجد  في كل مجتمع سياسي منظم دستور يتضمن أحكاما واضحة تكفل ضمان حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية وتشتمل علي القيود التي يجب علي الدولة والمواطنين الالتزام بها، والحدود التي لا يجوز للدولة أن تتجاوزها في ممارسة صلاحياتها. وتوصف الدولة بدولة القانون بقدر اعتبارها دولة دستورية أو دولة مقيدة بأحكام الدستور،حيث إن الدستور يمثل الوثيقة الأسمى التي تتضمن مجموع القواعد القانونية التي تبين نظام الحكم في الدولة بشكل يحقق التعايش السلمي بين السلطة والحرية [1]، وهو القانون الأعلى للدولة الذي علي أساسه تتدرج مختلف القواعد القانونية تبعا لمبدأ المشروعية، ونظرا لمبدأ سمو الدستور وسيادته وتفوقه فإنما يأتي في بنوده يعتبر من المبادئ الأساسية التي تقاس عليها بقية المبادئ الأخرى التي تقوم عليها الحقوق الطبيعية للإنسان وعلي رأسها مبدأ المساواة.فالمساواة بين الناس تستتبع المساواة أمام القضاء، وهذه المساواة أمام القضاء ترتبط بمبدأ آخر هو شرط لازم لتحقيقه نعني به مبدأ سيادة القانون، بل إن المساواة في ظل سيادة القانون تشترط أيضا،وهو بدوره شرط أساسي، أن يكون القانون نفسه منسجما مع الحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور لجميع المواطنين علي السواء.
 
لهذا تصبح  نجاعة القضاء الإداري معلقة علي شرط التقيد بمبدأ سيادة القانون،تحت شرط أن يتقيد القانون بمبدأ المساواة.كما أن من عوامل الاستقرار الاجتماعي حل النزاعات التي تدور بين الإدارة والمواطن بين الحاكم والمحكوم بطرق سلمية وفي نطاق القانون لأن الظلم كما يقال مؤذن بخراب العمران، والدول تستقيم علي الكفر ولا تستقيم علي الظلم.ولذلك تتحدد وظيفة الرقابة القضائية الاجتماعية  في تخفيف التوترات التي لامناص من أن تنشأ بين الذين يملكون السلطة العمومية وبين الذين يمتثلون لهذه السلطة، ووجود قاض إداري في حد ذاته يضفي الصبغة الشرعية علي الأعمال الإدارية ويجعل المواطن لا يعيش تحت رحمة الاستبداد الإداري، ومن ناحية أخري فإن المراقبة القضائية للإدارة تستجيب لمقتضيات حسن الإدارة لأنها إحدى الوسائل الفعالة للتأكد من مطابقة أو عدم مخالفة، أو تناسي العمل الإداري للبرنامج  السياسي للحكام، فبدون قاعدة قانونية قارة عامة وشاملة تطبق تطبيقا سليما تحت مراقبة صارمة من لدن قضاء إداري حر ونزيه، فإن جهود الإدارة وعملها سيصابان بالشلل.
 
ومع تطور الإنسانية والتعقيدات والتشعب الذي عرفه مجال العدالة اجتهد الفكر الإنساني في وضع الضوابط والأنظمة  التي تؤمن الحفاظ علي الجوهر، وأصبحت العدالة لا يقتصر دورها علي حماية الحقوق والممتلكات، بل تنامي دورها لتصبح عنصرا أساسيا من عناصر استقرار المجتمعات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأداة لتحقيق التوازن بين السلط ولإشاعة الطمأنينة وفرض سيادة القانون علي الجميع ثم عاملا أساسيا في تحقيق التنمية والازدهار الاقتصادي، ولذالك شكل القضاء الإداري أحد أعمدة البناء الديمقراطي ولم يعد من الممكن أن تقوم الديمقراطية في مجتمع ينعدم فيه العدل والمساواة وسيادة القانون، بل واعتبر أن جوهر الديمقراطية يتحقق من خلال القضاء العادل القوي النزيه والفاعل، مما فرض اعتبار القضاء سلطة ثالثة في الدول الديمقراطية مستقلا استقلالا كاملا عن السلطتين التنفيذية والتشريعية[2].
 
وينقل عن القاضي الآمريكي استوري قوله: "إنه لا توجد في الحكومات البشرية سوي قوتين ضابطتين:قوة السلاح وقوة القانون، وإذا لم يتول قوة القانون قضاة فوق الخوف وفوق كل ملامة فإن قوة السلاح هي التي ستسود حتما وبذالك تؤدي إلي سيطرة النظم العسكرية علي المدنية"[3] .
 
وهو ما عبر عنه آفلاطون قبل ذالك بقوله: " القانون فوق أثينا".
 
ويرتبط مع عائق سيادة القانون في الكثير من الدول لنجاعة القضاء الإداري،عائق آخر لا يقل عنه أهمية،إن لم يكن أكثر منه أهمية،هو امتناع الأشخاص المعنوية عن تنفيذ الأحكام القضائية التي هي تجسيد مادي لفعالية الجهاز القضائي.
 
ثانيا:عدم تنفيذ الأحكام القضائية عائق أمام نجاعة القضاء الإداري
يتوقف دور القاضي الإداري عند امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام الصادرة، إما بإلغائه للقرارات المخالفة للتنفيذ، أو الحكم بالتعويض عن عدم التنفيذ، ولم يتضمن القانون السماح له بإصدار الأوامر أو الحلول محل الإدارة ، مما يجعل الأحكام الصادرة من القاضي الإداري لا تتضمن الآثار التنفيذية لحكمه، وهو ما يترتب عنه مواجهة الإدارة لهذه الأحكام بعدم التنفيذ، الشيء الذي يؤثر علي محدودية هذه الحلول القضائية[4] التي تؤثر سلبا علي مردودية تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة، ولقد ساهمت في تكريس هذه المحدودية بعض المفاهيم والتي كان لها تأثير علي عمل القاضي الإداري، كالتفسير الخاطئ لمبدأ الفصل بين السلطة القضائية والإدارية، وكذالك مبدأ القاضي الإداري يقضي ولا يدير وكونه لا يحبذ عرقلة نشاط الإدارة أو الحلول محلها.
 
وإذا كانت أحكام القضاء ما هي إلا تطبيق للقانون علي أرض الواقع، فإن الذي يحكم ويسود  هو القانون وليس القضاء ومن ثم فالكل مخاطب بأحكام القانون حكاما ومحكومين،إلا أن الأحكام قد تبقي مجرد شرح نظري للقانون ما لم يتم تنفيذها، فإذا كانت حصيلة الدعوي ونتيجتها هي الحكم القضائي، فإن هذا الحكم لا قيمة له إن لم يترجم عن طريق تنفيذه، ولو عن طريق القوة والإكراه لفرض هيبة القضاء ونجاعته. فلا وجود لدولة القانون إلا بوجود رقابة قضائية علي أعمال السلطة التنفيذية، ذلك أن الحماية القضائية مرتبطة بمدي تنفيذ الأحكام وهو ما عبر عنه "توكفيل" أحسن تعبير عندما قال : " إذا كان النظام القانوني في فرنسا مطلوبا ومؤكدا فإن التعسف يجد ملاذه في التنفيذ"، فالإخلال بمبدأ ضرورة احترام الأحكام يصير بمبدأ المشروعية إلي العدم كما قال "ديكي" [5].
 
إن الإدارة بوجه عام تتمنع أو تتراخي في تنفيذ الأحكام الصادرة عنها، علي الرغم من أنها كانت طرفا في النزاع وقدمت للقضاء مختلف الدفوع الممكنة، فضلا عن إمكانية تقديمها مختلف الطعون المسموح بها قانونا، وهي في حالات كثيرة قد تتذرع بأسباب واهية تتمثل إما في مناقشة تعليل الحكم مع أنه قابل للتنفيذ وبإمكانها المطالبة بوقف تنفيذه عند الاقتضاء أو إثارة صعوبات واقعية أو قانونية في تنفيذه، وحتى عند قيامها بكل ذالك من دون نتيجة قد تختلق أسبابا أخري غير قانونية وتمتنع عن التنفيذ مباشرة أو بطريقة غير مباشرة،حتى أصبح عدم تنفيذ الأحكام القضائية ظاهرة في مختلف دول العالم.
 
إن الأحكام القضائية النهائية التي لا تعرف سبيلا إلي تنفيذها علي المحكوم عليه مهما كانت الأسباب: مادية أو بشرية أو حتى قانونية، تعتبر طعنة مسمومة ضد النظام القانوني والسياسي والدستوري للبلاد ومنفذا للفتن وعدم الاستقرار، بل ومؤشرا علي العد العكسي لزوال أنظمة الدول.
 
ذالك أن الهدف الأول من تنفيذ حكم قضائي هو إرجاع الحق إلي مظلوم من ظالم الذي هو المنفذ عليه، وبالتالي يعطي تنفيذ الأحكام القضائية معني للقانون علي أرض الواقع، مما يدفع بالناس إلي الإحساس، بل إلي القناعة بمكانة القانون ونجاعة القضاء، فتجدهم ينضمون إلي المسلسل الحضاري الذي يتنافي، بل يمنع لجوء كل واحد إلي وسائله الخاصة قصد استحقاق حقه.
 
وتعتبر إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة والمؤسسات العمومية من المواضيع التي لازالت تطرح إشكالا كبيرا مع أن المسؤول في أي مرفق عام لا يحظي بالحصانة ولا بامتياز القانون العام إلا إذا كان هو نفسه يحترم القانون وينفذ الأحكام القضائية التي اكتسبت قوة الشيء المقضي به، وكل رفض عمدي لتنفيذ حكم قضائي اكتسب قوة الشيئ المقضي به يعتبر عصيانا علي القانون وعلي السلطات الشرعية، والقضاء جزء من هذه السلطات.
 
إن من الواجب علي كل الأشخاص المعنوية العامة وبالضبط من واجب الأشخاص الذاتيين الموكل إليهم مسؤولية الإشراف وتسيير هذه الأشخاص أن ينصاعوا قبل غيرهم إلي قوة الشيء المقضي به، ويسارعوا إلي تنفيذ الأحكام القضائية النهائية مادام الهدف من هذا التنفيذ هو إعطاء كل ذي حق حقه طبقا للقانون الذي هو التعبير الاسمي عن إرادة الأمة، وبالتالي الرجوع إلي الصواب، والرجوع إلي الصواب بكيفية إرادية وتلقائية لا يعتبر ضعفا، ولكن قوة وشجاعة وحكمة، وعدلا ،وإنصافا، لأن الضعف والضلال والانحراف وانعدام الأخلاق هو التعنت في الإبقاء علي خرق القانون، والإخلال بالنظام العام الذي هو جريمة في حق المجتمع والنظام القائم والقانون واستقرار واستمرار الدولة[6].
 
إن استمرار عدم تنفيذ الأحكام القضائية إلا حسب أهواء مسيري الأشخاص المعنوية العامة تجعل هذه الأخيرة في وضعية خارجة عن الشرعية والمشروعية، وبالتالي يكون هؤلاء المسيرون قد اختاروا جعل أنفسهم وجعل المرافق العامة التي يشرفون عليها في وضعية خارجة عن القانون.
 
إن استمرار عدم تنفيذ مسيري المرافق العامة للأحكام الحائزة قوة الشيء المقضي به الصادرة ضدهم أصبح يؤثر سلبا وبكيفية مباشرة حتى علي الاستثمارات الأجنبية داخل الكثير من الدول، إذ أصبح المستثمر الأجنبي يتساءل عن طبيعة وقيمة الضمانات القانونية الممنوحة له إذا كانت تلك الجهات المفروض فيها قبل غيرها الانصياع إلي القانون وقوة الشيء المقضي به تري نفسها غير ملزمة فعليا بالالتزام لقرارات محاكم البلاد.
 
وأمام هذا الوضع المتسم بغياب مسطرة خاصة بالتنفيذ الجبري ضد الإدارة والمؤسسات العمومية، وأمام تنامي تقاعس الإدارة عن تنفيذ بعض الأحكام الصادرة ضدها وجدت المحاكم نفسها عاجزة عن حماية حقوق الأفراد المحكوم لهم بتنفيذ الأحكام الصادرة لفائدتهم وذالك لاصطدام مبدأ التنفيذ مع مجموعة من المباادئ التي كانت إلي وقت قريب تقيد سلطة القضاء من قبيل عدم جواز إصدار أوامر إلي الإدارة، وكون القاضي الإداري يحكم ولا يدير
وكونه لا يحبذ عرقلة نشاط الإدارة أو الحلول محلها.
 
وإذا كانت أحكام القضاء ما هي إلا تطبيق للقانون علي أرض الواقع، فإن الذي يحكم ويسود  هو القانون وليس القضاء ومن ثم فالكل مخاطب بأحكام القانون حكاما ومحكومين،إلا أن الأحكام قد تبقي مجرد شرح نظري للقانون ما لم يتم تنفيذها، فإذا كانت حصيلة الدعوي ونتيجتها هي الحكم القضائي، فإن هذا الحكم لا قيمة له إن لم يترجم عن طريق تنفيذه، ولو عن طريق القوة والإكراه لفرض هيبة القضاء ونجاعته. فلا وجود لدولة القانون إلا بوجود رقابة قضائية علي أعمال السلطة التنفيذية، ذلك أن الحماية القضائية مرتبطة بمدي تنفيذ الأحكام وهو ما عبر عنه "توكفيل" أحسن تعبير عندما قال : " إذا كان النظام القانوني في فرنسا مطلوبا ومؤكدا فإن التعسف يجد ملاذه في التنفيذ"، فالإخلال بمبدأ ضرورة احترام الأحكام يصير بمبدأ المشروعية إلي العدم كما قال "ديكي" [5].
 
إن الإدارة بوجه عام تتمنع أو تتراخي في تنفيذ الأحكام الصادرة عنها، علي الرغم من أنها كانت طرفا في النزاع وقدمت للقضاء مختلف الدفوع الممكنة، فضلا عن إمكانية تقديمها مختلف الطعون المسموح بها قانونا، وهي في حالات كثيرة قد تتذرع بأسباب واهية تتمثل إما في مناقشة تعليل الحكم مع أنه قابل للتنفيذ وبإمكانها المطالبة بوقف تنفيذه عند الاقتضاء أو إثارة صعوبات واقعية أو قانونية في تنفيذه، وحتى عند قيامها بكل ذالك من دون نتيجة قد تختلق أسبابا أخري غير قانونية وتمتنع عن التنفيذ مباشرة أو بطريقة غير مباشرة،حتى أصبح عدم تنفيذ الأحكام القضائية ظاهرة في مختلف دول العالم.
 
إن الأحكام القضائية النهائية التي لا تعرف سبيلا إلي تنفيذها علي المحكوم عليه مهما كانت الأسباب: مادية أو بشرية أو حتى قانونية، تعتبر طعنة مسمومة ضد النظام القانوني والسياسي والدستوري للبلاد ومنفذا للفتن وعدم الاستقرار، بل ومؤشرا علي العد العكسي لزوال أنظمة الدول.
 
ذالك أن الهدف الأول من تنفيذ حكم قضائي هو إرجاع الحق إلي مظلوم من ظالم الذي هو المنفذ عليه، وبالتالي يعطي تنفيذ الأحكام القضائية معني للقانون علي أرض الواقع، مما يدفع بالناس إلي الإحساس، بل إلي القناعة بمكانة القانون ونجاعة القضاء، فتجدهم ينضمون إلي المسلسل الحضاري الذي يتنافي، بل يمنع لجوء كل واحد إلي وسائله الخاصة قصد استحقاق حقه.
 
وتعتبر إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة والمؤسسات العمومية من المواضيع التي لازالت تطرح إشكالا كبيرا مع أن المسؤول في أي مرفق عام لا يحظي بالحصانة ولا بامتياز القانون العام إلا إذا كان هو نفسه يحترم القانون وينفذ الأحكام القضائية التي اكتسبت قوة الشيء المقضي به، وكل رفض عمدي لتنفيذ حكم قضائي اكتسب قوة الشيئ المقضي به يعتبر عصيانا علي القانون وعلي السلطات الشرعية، والقضاء جزء من هذه السلطات.
 
إن من الواجب علي كل الأشخاص المعنوية العامة وبالضبط من واجب الأشخاص الذاتيين الموكل إليهم مسؤولية الإشراف وتسيير هذه الأشخاص أن ينصاعوا قبل غيرهم إلي قوة الشيء المقضي به، ويسارعوا إلي تنفيذ الأحكام القضائية النهائية مادام الهدف من هذا التنفيذ هو إعطاء كل ذي حق حقه طبقا للقانون الذي هو التعبير الاسمي عن إرادة الأمة، وبالتالي الرجوع إلي الصواب، والرجوع إلي الصواب بكيفية إرادية وتلقائية لا يعتبر ضعفا، ولكن قوة وشجاعة وحكمة، وعدلا ،وإنصافا، لأن الضعف والضلال والانحراف وانعدام الأخلاق هو التعنت في الإبقاء علي خرق القانون، والإخلال بالنظام العام الذي هو جريمة في حق المجتمع والنظام القائم والقانون واستقرار واستمرار الدولة[6].
 
إن استمرار عدم تنفيذ الأحكام القضائية إلا حسب أهواء مسيري الأشخاص المعنوية العامة تجعل هذه الأخيرة في وضعية خارجة عن الشرعية والمشروعية، وبالتالي يكون هؤلاء المسيرون قد اختاروا جعل أنفسهم وجعل المرافق العامة التي يشرفون عليها في وضعية خارجة عن القانون.
 
إن استمرار عدم تنفيذ مسيري المرافق العامة للأحكام الحائزة قوة الشيء المقضي به الصادرة ضدهم أصبح يؤثر سلبا وبكيفية مباشرة حتى علي الاستثمارات الأجنبية داخل الكثير من الدول، إذ أصبح المستثمر الأجنبي يتساءل عن طبيعة وقيمة الضمانات القانونية الممنوحة له إذا كانت تلك الجهات المفروض فيها قبل غيرها الانصياع إلي القانون وقوة الشيء المقضي به تري نفسها غير ملزمة فعليا بالالتزام لقرارات محاكم البلاد.
 
وأمام هذا الوضع المتسم بغياب مسطرة خاصة بالتنفيذ الجبري ضد الإدارة والمؤسسات العمومية، وأمام تنامي تقاعس الإدارة عن تنفيذ بعض الأحكام الصادرة ضدها وجدت المحاكم نفسها عاجزة عن حماية حقوق الأفراد المحكوم لهم بتنفيذ الأحكام الصادرة لفائدتهم وذالك لاصطدام مبدأ التنفيذ مع مجموعة من المبادئ التي كانت إلي وقت قريب تقيد سلطة القضاء من قبيل عدم جواز إصدار أوامر إلي الإدارة، وكون القاضي الإداري يحكم ولا يدير، وعدم جواز الحجز علي الأموال العمومية وغيرها، وبالتالي الوقوف موقف العاجز ورفض أي طلب لإجبار الإدارة علي التنفيذ بدعوي غياب أي مقتضي تشريعي يجيز مثل هذا التنفيذ الجبري.
 
خلاصة
أمام حالات الرفض الكثيرة  لتنفيذ أحكام القضاء، وملاحظة أنه في أحسن الأحوال يتم التعامل مع هذه الأحكام بشكل انتقائي من طرف القائمين علي المرافق العامة، فإن صدور نص يطمئن الجميع بمن فيهم المستثمرين  الأجانب، يعالج مشكلة التنفيذ علي الأشخاص المعنوية العامة، ويعطي للقانون الإداري  وللعمل القضائي الإداري معني، يكون في مستوي المسؤولية التي أنيطت به وهي حماية الشرعية والمشروعية، مع العلم أنه لولا جرأة القاضي الإداري وتمسكه بمبادئه وحريته واستقلاله ما كان للقانون الإداري أن يصل إلي ما وصل إليه، ولا للقضاء الإداري أن يري النور ويكون بالنجاعة التي وصل إليها في حماية الحقوق والحريات ضد عسف الإدارة أحيانا.
 
 
 
- د. مليكه الصروخ، القانون الدستوري، مطبعة النجاح الجديدة، ط:1998 ، ص7[1]
- د. محمد محمود ولد محمد سالم أواه، مذكرة القضاء الإداري لطلاب سنة رابعة قانون خاص،السنة الجامعية:2010-2011ص15 [2]
- ورد في محمد عصفور،استقلالية السلطة القضائية، مجلة القضاء العدد3، السنة الأولي،يوليو1968 ص:210[3]
6- محمد صقلي حسين  إشكالية توجيه الأوامر للإدارة في مجل تنفيذ الأحكام القضائية بالمغرب، مجلة القضاء والقانون،وزارة العدل،العدد:157 لسنة 2010 ص:97.
-حسني سعد عبد الواحد،تنفيذ الأحكام الإدارية، مطابع مجلس الدفاع الوطني، القاهرة 1984ص7[5]    
 [6]  - ميمون بيشو، الإدارة العمومية وتنفيذ الأحكام القضائية الإدارية،المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية،كلية الحقوق الدارالبيضاء،ع:17/1988

جمعة, 23/12/2022 - 22:51