السعادة… بين من يركض خلفها ومن تسكن قلبه بلا استئذان

 

كثيراً ما نتساءل: ما هي السعادة؟ وأين نجدها؟ وهل هي هدف نبلغه أم حالٌ نعيشه؟
من الناس من يرى السعادة في المال، ومنهم من يراها في السلطة أو الشهرة، ومنهم من يظل يركض خلفها حتى تذبل روحه دون أن يمسك بها طرف خيطها. بينما آخرون تطرق السعادة أبواب قلوبهم دون موعد، لا لأنهم بحثوا عنها، بل لأنهم فهموا سرها العميق: السعادة تُزرع، لا تُشترى.

من وجهة نظري المتواضعة، السعادة ليست فيما نملك، بل فيما نُعطي. ليست في كم نأخذ، بل في كيف نُفرّج همّاً أو نرسم بسمة. إنك ترى السعادة الحقيقية في وجوه من أسديت إليهم معروفاً. في تلك اللحظة، تشعر برضى داخلي لا يضاهيه مال ولا جاه.

وقد عبّر الدكتور أحمد خالد توفيق عن هذا المعنى قائلاً:
"السعادة ليست شيئاً تملكه أو تفقده، بل هي شعور داخلي بالرضا، والقدرة على تقبل الحياة كما هي، لا كما نريد."

أما المفكر علي الطنطاوي فقد قال:
"السعادة الحقيقية لا تكون في الجسد، ولكن في النفس؛ النفس إذا رضيت، سعد الجسد وإن كان مريضاً، وإذا سخطت، شقي الجسد وإن كان في صحة وعافية."

وفي كلمات الشيخ الشعراوي نجد روح الإيمان تنير مفهوم السعادة:
"إذا لم تُرزق بالسعادة في نفسك، فلن تجدها في الدنيا كلها، فالسعادة منحة ربانية لمن أرضى قلبه، لا لمن أمتع عينه."

بل حتى في الشعر، يكتب محمود درويش قائلاً:
"السعادةُ لا تُروى، ولكن نرويها نحن، إذا ما عرفنا كيف نحب ونصفح ونعطي."

وحين نعود إلى بساطة الحياة نجد كلمات إبراهيم الفقي تضيء الدرب:
"السعادة لا تُصنع، بل تُكتشف، حين تنظر إلى داخلك وتجد فيه ما يغنيك عن العالم بأسره."

فالسعادة ليست كما تُسوّق لنا في الإعلانات أو مواقع التواصل، بل هي لحظة صدق مع النفس، لحظة عطاء دون انتظار، دعوة أم في جوف الليل، أو دمعة امتنان في عين محتاج.

قد لا نجد السعادة إذا ركضنا خلفها بأنانية، ولكننا نراها واضحة، ونتنفسها، حين نكون سبباً في فرح الآخرين، حين نُفرّج كربة، أو نمدّ يد عون، أو نُشعل نور أمل في درب معتم.

فيا من تَبحث عن السعادة، توقف قليلاً، أنصت لقلبك، وراقب أثرك على من حولك، فلعلك تعيشها دون أن تدري، وتراها في وجوه الآخرين لا في مرآة ذاتك.

أحد, 04/05/2025 - 00:29