
أصبحنا – نحن الشعب الموريتاني – نعيش اليوم تبعات سنوات طويلة من تآكل الحكامة الرشيدة، وغياب التمثيل السياسي الناضج، والدبلوماسية المنفتحة القادرة على تمثيل تطلعاتنا في عالم متغير. ضعفنا في بناء المؤسسات، وغياب الرقابة الفعالة، خاصة على حدودنا المترامية، حولنا إلى كيان هش، يتلقى الضربات دون أن يكون قادرًا على التفاعل أو الدفاع.
صرنا ننتظر، في حيرة ودهشة، أن ينادى علينا منادٍ – لا من بيننا، بل من خارج أرضنا – منادٍ يتوجه بندائه لا إلى شعب حر متماسك، بل إلى خليط بشري فاقد للهوية: إلى التائهين، والمهمشين، والمهاجرين غير النظاميين، والمشعوذين، ومدمني التيه، والمضطربين، وles clochards، وإلى كل من لفظتهم شعوب الأرض ونظمها.
ذلك المنادي، أو القادم الغريب، قد يجد أرضًا شاسعة، غنية، مترامية الأطراف، كانت يومًا ما تُعرف باسم "شنقيط" رمزًا للعلم والهوية والحضارة، فأُفرغت من معناها حتى أصبحت مجرد لفظ إداري اسمه "موريتانيا"، أرضٌ ضاعت فيها الملامح، وتعثرت فيها الهوية، وانفصلت فيها السلطة عن المجتمع.
وقد أصبحنا نحن – أو من تبقى منا – شتاتًا بلا ملامح، نعيش في وطن بلا روح، وهوية بلا جذور، وكأننا لم نعد شعبًا له سيادة على أرض، بل مجرد حراس مؤقتين لرقعة ينتظر أن يُلقى فيها من لا مكان له.
هكذا تُصاغ المأساة: نحن هنا، نرقب من بعيد، بينما يُحشد "الآخرون" إلينا، حشْرًا أو قصْدًا، في مشهد سريالي يُعيد إنتاج استعمارٍ جديد لا جيوش له، استعمار بالفراغ والعبث والانهيار.
فيا أبناء موريتانيا، يا من لا تزالون تؤمنون بهذه الأرض رغم الألم، أدركوا أن الفرصة لا تزال – ولو ضئيلة – بين أيديكم. إن لم تنهضوا الآن لاستعادة المبادرة، فإن القادم قد لا يترك لكم شيئًا يُستعاد.
هيّا... قبل أن يُقال: "كانت هناك أرض اسمها موريتانيا... وكان هناك شعب اسمه الموريتانيون."
ذ/ الدكتور محمد كوف الشيخ المصطف العربي